زيارة الملك كارلوس للمغرب دفعة جديدة نحو تعزيز العلاقات الأسبانية المغربية

الإثنين، 15 يوليو 2013 09:02 ص
زيارة الملك كارلوس للمغرب دفعة جديدة نحو تعزيز العلاقات الأسبانية المغربية ملك أسبانيا خوان كارلوس
(أ.ش.أ)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبدأ ملك أسبانيا خوان كارلوس اليوم زيارة رسمية إلى المغرب، تستغرق ثلاثة أيام، وذلك بناء على دعوة وجهت إليه من العاهل المغربى محمد السادس، وتأتى هذه الزيارة ضمن جهود تعزيز سبل التعاون الثنائى بين البلدين على الصعيد السياسى والاقتصادى، كما أنها تندرج فى إطار "الاتصالات المنتظمة بين العائلتين الملكيتين"والتى تربطهما علاقات تاريخية ومتميزة.

ويرافق الملك كارلوس فى زيارته للمغرب وفد هام من الوزراء الحاليين وفى مقدمتهم وزير الخارجية والعدل والداخلية والتجارة، فضلا عن رؤساء أبرز الشركات الأسبانية وأكثر من 20 رئيس جامعة فى المملكة الأسبانية، كما يرافقه أيضا جميع وزراء الخارجية الأسبان الأحياء الذين توالوا على هذا المنصب منذ توليه الحكم عام 1975، وهو الأمر الذى يعد حدثا استثنائيا فى حد ذاته.

زيارة ذات أهمية خاصة:

وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة نظرا للعديد من الاعتبارات، أولها أنها تعتبر الثانية من نوعها للملك كارلوس إلى المغرب فى أقل من عقد، وذلك بعد زيارته الأولى فى يناير 2005. ولم يسبق للملك كارلوس أن قام بزيارة رسمية إلى بلد فى أقل من عقد خاصة مع استمرار الحاكم نفسه. كما تعد تلك الزيارة هى الأولى خارجيا للملك خوان كارلوس بعد أن استرد عافيته وقدرته على الحركة، إثر سلسلة العمليات الجراحية التى خضع لها خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يعكس المكانة التى تحظى بها المغرب كشريك إستراتيجى أولى بالنسبة لأسبانيا.

إضافة لذلك فإن اصطحاب ملك أسبانيا لوفد دبلوماسى يضم جميع وزراء الخارجية الأحياء الذين توالوا على المنصب، يكسب الزيارة قيمة عالية ويحمل العديد من الدلالات منها أن اختيار وزراء الخارجية الذين يعرفون أسرار ومصاعب العلاقات مع المغرب، يدل على رغبة أسبانيا فى تجاوز الملفات الخلافية بين البلدين، وحرصها على أن يعم الحوار السلمى والدبلوماسية علاقاتهما.

وأخيرا فقد اكتسبت هذه الزيارة خصوصية واضحة فى أنها تتزامن وشهر رمضان، حيث اعتادت التقاليد المغربية للمؤسسة الملكية على عدم استقبال ملوك ورؤساء الدول من غير المسلمين فى هذا الشهر، إلا نادرا، مما يبرز الأهمية التى يعطيها المغرب لزيارة ملك أسبانيا.

ويتجلى الطابع الاقتصادى لزيارة خوان كارلوس إلى المغرب فى حجم رجال الأعمال الذين يرافقونه، ومعظمهم يمثلون أبرز كبرى الشركات الإسبانية مثل "أكسيونا"، "أبينجوا"، "فيرو فيال"، "إنديسا"، "تالجو"، "إيبيريا"، "غلوباليا"، "إنديتيكس"، "تليفونيكا" و" إندرا".

ومن المقرر أن يشارك ممثلو هذه الشركات فى ملتقى اقتصادى خاص مع نظرائهم المغاربة. كما سيعقد الوزراء الأسبان، على هامش هذه الزيارة، سلسلة من اللقاءات مع نظرائهم المغاربة تتمحور حول سبل تعزيز التعاون الثنائى فى مختلف المجالات المشتركة.

علاقات اقتصادية وطيدة:

وترتبط أسبانيا والمغرب بعلاقات اقتصادية هامة إذ نجحت أسبانيا فى أن تصبح الشريك التجارى الأول للمغرب عام 2013 بدلا من فرنسا، بينما أصبح المغرب الشريك التاسع عالميا لمدريد والثانى من خارج الاتحاد الأوروبى.

وزاد حجم المبادلات التجارية بين البلدين خلال العام الماضى بنسبة 15% مقارنة بعام 2011. ويرجع هذا الارتفاع إلى زيادة الواردات المغربية من إسبانيا بنسبة 30% مقابل انخفاض صادرات المغرب نحو إسبانيا بنسبة 4%. وبلغت حصة إسبانيا من التجارة الخارجية للمغرب 14 % بينما بلغت 28,7% من المبادلات الإجمالية مع الاتحاد الأوروبى.

ويستورد المغرب منتجات متنوعة من إسبانيا فى مقدمتها المواد البترولية والطاقة الكهربائية وأعمدة النحاس والمواد الكيمائية. أما صادرات المملكة، فتشمل الملابس المصنعة، ومنتجات البحر، ومنتجات النسيج والخضر الطازجة، والمجمدة.

وأجمع المراقبون على أن الجوار الجغرافى والاستقرار السياسى تعد من أهم العوامل التى توفر مناخ عمل ملائم لجذب الاستثمارات الإسبانية إلى المغرب، وأصبح هذا الأخير هو الوجهة الأفريقية الأولى للاستثمارات الإسبانية. وهناك أكثر من 800 شركة مقاولات إسبانية تستثمر بالمغرب، معظمها من الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعمل فى قطاعات مثل صناعة الورق، والأنشطة العقارية، وصناعة المواد المعدنية غير الفلزية، والبناء، وتجارة الجملة، والتعدين.وتتمثل القطاعات الرئيسية للتعاون الاقتصادى بين البلدين فى الصناعة والسياحة والعقار والقطاع البنكى.

ونظرا للظروف الاقتصادية المتردية التى تعانى منها أسبانيا، والناتجة عن أزمة منطقة اليورو، دعا الملك محمد السادس، فى خطاب العرش لعام 2012، إلى توفير ظروف اقتصادية جديدة وملائمة، من أجل خلق ثروات مشتركة، وذلك تجسيدا لعمق التضامن بين المغرب وإسبانيا فى تلك الظروف الصعبة.

كما حرصت الحكومة المغربية برئاسة عبد الإله بنكيران، ومنذ توليها مهامها فى يناير 2012، على إرسال إشارات ايجابية لمدريد من خلال تأكيدها على مساعدة إسبانيا اقتصاديا للخروج من عزلتها وهو ما أشار إليه أيضا أكثر من مرة كل من وزير الاقتصاد والمالية المغربى نزار بركة، ورئيس البرلمان المغربى كريم غلاب.

المغرب الوجهة الأولى للهجرة الأسبانية:

ولا تقتصر علاقات البلدين على الشق الاقتصادى فقط بل أن أسبانيا كانت تمثل دائما الوجهة الأولى للمغاربة المهاجرين بشكل قانونى أو سرى، وذلك للعديد من الاعتبارات أولها القرب الجغرافى بين الدولتين كما أن إسبانيا كانت تعتبر من البلدان الأوروبية المتقدمة اقتصادا وإنتاجا، وتعتبر متميزة من وجهة نظر المغاربة بسبب وجود نظام ملكى محافظ، ومجتمع بعيد عن أرستقراطية الأوروبيين والسلوكيات الاستهلاكية المفرطة للأمريكيين والمظهر الحداثى تقنيا للأسيويين. هذا كله إلى جانب التاريخ المشترك الذى يجمع البلدين منذ عصر الفتوحات الإسلامية ودخول المغاربة الأندلس إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية ودخول الأسبان المغرب واحتلال شماله وصحرائه، وهو الأمر الذى ساعد المغاربة فى التكيف داخل المنظومة الاجتماعية الإسبانية وإيجاد مساحة للوجود بسرعة فائقة.

ولكن منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية عام 2008 لوحظ تراجع عدد المهاجرين المغاربة إلى إسبانيا، والذى انخفض بمقدار الثلث تقريبا، لاسيما وأن الأخيرة من أكثر البلدان الأوروبية تضررا بالأزمة وسجلت أعلى معدلات البطالة، وهو ما أثر سلبيا على المواطن الأسبانى قبل المهاجر المغربى ودفعه للبحث عن بلد آخر للحصول على مستويات معيشية أفضل.

والمفاجأة أن تكون المغرب هى الوجهة التى يتوجه إليها المهاجرون الأسبان فى تلك الأزمة حيث أظهرت الإحصاءات تضاعف عدد الأسبان المسجلين رسميا كمقيمين فى المغرب أربع مرات بين عامى 2003 و2011، هذا إلى جانب عشرات الآلاف الذين يقطنون المغرب اليوم بطريقة غير مشروعة.

ويرى المراقبون أنه قد يبدو للبعض أن المغرب ليس بالوجهة المناسبة للبحث عن عمل بناتج محلى إجمالى يساوى سدس الناتج الأسبانى، ومعدل بطالة يقدر بـ30 بالمائة، غير أن الأسبان يجدون فيه ملجأ من أزمتهم الاقتصادية وملاذا للاستقرار، خاصة أنهم لا يحتاجون تأشيرة دخول للمغرب والإقامة لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر متواصلة، كمان أنه يكفى العودة إلى مدينة سبتة أو مليلية لتجديد الإقامة لثلاثة أشهر أخرى.

إضافة إلى ذلك فإن سعر صرف اليورو من واحد إلى عشرة دراهم مغربية، يجد فيه الأسبان سبيلا إلى حياة راقية وذلك من خلال العمل ضمن شركات أوروبية فى المغرب تدفع باليورو، وتقدم مزايا عديدة لا يوفرها أرباب العمل للمغاربة أنفسهم، وهو ما يوفر للمهاجر الأسبانى مستوى معيشى جيد أفضل من بلاده.


قضايا خلافية بين البلدين:

وتعتبر العلاقات الأسبانية المغربية من أطول العلاقات التاريخية وأكثرها تعقيدا، حيث شهدت العديد من موجات الصعود والهبوط وفقا للمحطات التاريخية غير أن هناك بعض القضايا التى كانت تشكل دائما محل خلاف بين البلدين، مثل النزاع حول مدينتى سبتة ومليلية الواقعتين على شواطئ المغرب الشمالية, قبالة جبل طارق, واللتان يعود تاريخ النزاع حولهما إلى منتصف الخمسينيات عندما حصلت المغرب على استقلالها وأخذت تطالب باستعادة السيادة على الجزيرتين، وهو الأمر الذى رفضته إسبانيا تماما بدعوة أن هذه المناطق تقع تحت السيادة الإسبانية منذ عدة قرون.

ولا تزال أسبانيا ترفض التفاوض مع المغرب حول وضعية المدينتين المحتلتين، وتعتبر مسألة سيادتها عليهما أمرا غير قابل للنقاش.

هناك أيضا ملف الصحراء الغربية الذى يشكل قضية خلافية بين البلدين حيث تؤيد أسبانيا التوصل إلى حل عادل ومقبول من الطرفين ينص على حرية تقرير المصير فى الإقليم، ولم تظهر دعمها للمبادرة المغربية القاضية بمنح الصحراويين الحكم الذاتى.

وإضافة لما سبق هناك بعض القضايا التى كانت دائما تتسبب فى إثارة التوتر بين البلدين من ملف الهجرة السرية ومكافحة المخدرات، غير أنه أصبح هناك تعاون تام فى هذا الخصوص ولم تعد هذه الملفات مصدر مواجهات كما كانت فى الماضى.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة