أشرف العشماوى يكتب: الثعلب والطاووس

الإثنين، 03 يونيو 2013 06:18 م
أشرف العشماوى يكتب: الثعلب والطاووس صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وجد الثعلب نفسه فى عالم آخر غريب عليه لم يألفه من قبل، اختفت الغابة وظهر بدلا منها مكان يعج بالطيور بمختلف أشكالها وألوانها وأنواعها، كبيرهم طاووس وأعوانه ببغاوات يرددون خلفه ما يقول كصدى الصوت، يقلدونه فى كل صغيرة وكبيرة، لا هدف لهم إلا إرضاؤه، يتندرون بنوادره ويضحكون فى بلاهة مثله عندما يردد سخافاته .

ظلت علاقته بالطاووس دائما كطرفى مقص كلاهما مشدود إلى الآخر ولكن كل منهما فى اتجاه . كان الطاووس مندفعاً فى قراراته، متعجلاً، يعيش فى فقاعة دائمة أن هناك مؤامرات تحاك ضده لإزاحته عن عرشه، يبدو دائما كالألعاب النارية تحدث فرقعة ووميضاً مبهراً للحظات وسرعان ما تخفت إلى أن تعود من جديد فى شكل آخر، ومع مرور الوقت وتنوع المواقف اكتشف أن الطاووس يحمل بداخله أسداً مزيفاً وتأكد أنه يرتدى أقنعة البطولة والشجاعة والصدق أمام دواجن وطيور من مريديه و لا يجرؤ أن يفعلها أمام أسود حقيقية.

سأله فى حدة بعد أن نجح الطاووس فى استثارته ببروده : لماذا تتغير وتتلون وتتراجع دائماً وأبدا بسرعة الصاروخ ؟ ولماذا تمارس دور الأسد على رعاياك بينما مع الآخرين نعامة ؟!

رد الطاووس متفاخرا: إنك جاهل بشعبيتى ومحبة حيوانات المزرعة لى .. الجميع هنا يحبوننى ولا يتصورون قائداً لهم سواى .. وتراجعى دهاء ومناورة لا يفهمها من يفتقر للخبرة مثلك.

لم يهتز الثعلب أمام محاولات الطاووس زعزعة ثقته بنفسه فقال : صحيح أن هناك بعضا من أتباعك يحبونك ولكنهم مجبرين لا مخيرين ولكن ما حال الباقين وهم أغلبية لا يحبونك طواعية بعد أن أعطوك عشرات الفرص ؟ لم يجبه الطاووس وتركه وحيدا بحجرة العرش المبهرة بألوانها وزينتها وانصرف غاضبا كعادته عندما لا يجد ردا حاضرا بذهنه فإنه يصطنع الغضب ليستخدمه كدرع واق من هجوم الآخرين عليه.

فى اليوم المحدد لخطبة العرش التى سيلقيها الطاووس احتفالا بعيد جلوسه كانت الطيور كلها قد تجمعت منذ الصباح الباكر واتخذت أماكنها بالصفوف الأخيرة بفناء المزرعة الاكبر الذى كان مقر للاحتفال بينما كانت الصفوف الأولى تحتلها الضباع الذين دعاهم الطاووس للحضور فقد كان يتباهى ويتفاخر دائما بأن أصدقاءه مفترسون لا طيور داجنة مما تعج بهم المزرعة.. كان يحلو للطاووس دائماً وأبداً فى عيد الجلوس أن يروج لأسطورة تقول إن الأسود غابت ..خرجت ولم تعد .. حتى ماتت.. ولم يبق إلا هو، وفى عيد الجلوس اليوم أراد الطاووس أن يخلد نفسه كأسطورة لن تتكرر فردد بصوته المنفر أن الطاووس فى الأصل كان ملك الغابة ..أساس الحكم.. امتداد المُلك لعرش الطاووس من بعد عرش الأسد. . وروى فى أكذوبته أن الأسود تولت عرش الغابة فى غفلة من الزمن فلم يكن هناك طووايس تنافسه .. فلما انتهت المراسم وانفض السامر دخل الثعلب دون استئذان إلى عرش الطاووس بعد نهاية الاحتفال بعيد الجلوس إلى جناحه الخاص الذى لا يرتاده إلا المقربون والذين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة ..وهاله ما رأى.. لم يكن الطاووس طاووساً كما تصور الجميع بل كان ببغاء ملونًا ضئيل الحجم تلتف حوله طيور الحاشية يلفونه بالريش الملون والورق المقوى ويركبون له أجنحة ضخمة ليحلق بها فى الأفق ويختال فى مشيته ليبدو طاووسا زاهياً يسر الناظرين.. يا لها من صدمة مروعة !!

لحظات مرت كالدهر عندما التقت نظراتهما الممزوجة بالدهشة.. المفعمة بالخجل والتوعد ..المغلفة بالاحتقار .. المثقلة بالخجل والانكسار ..تيبّس كل منهما فى مكانه حتى مرت تلك اللحظات العصيبة واكتفى الطاووس بالصمت تعبيرا .. وغادر التعلب ثائرًا فلم يلحظ أنه يدوس بقدميه الريش الملون المتناثر فى أرجاء الغرفة وكأن القدر يُعلن أن عرش الطاووس قد انهار وهوى حتى دهسته الأقدام.

وغادر الثعلب المكان وفى أذنيه عبارة واحدة تتكرر دون توقف..
"لا أحد يستطيع أن يخدع كل الناس كل الوقت".








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة