وليد البدرى يكتب: الحناجر والخناجر

الجمعة، 31 مايو 2013 03:09 ص
وليد البدرى يكتب: الحناجر والخناجر صورة ارشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى مصر فقط تتجلى نعمة النسيان.. فى مصر فقط من الممكن أن تتحول بين عشية وضحاها من قاتل إلى بطل، من فاسد ومنتفع إلى رمز الطهارة والشفافية، من خادم لتراب النظام إلى نجم ثورى، من عدو لفكرة إلى أكبر مسوق لها ومقاتل من أجلها.

فى مصر فقط تتبدل الألوان والأشكال بسرعة البرق فيصبح الأبيض أسودا بدون إضافات ويتحول الأقزام إلى أبطال بدون بطولات.

من الممكن أيضا إذا أردت أن تصنع لنفسك "نيو لوك" ثورى أن تساير الموضة الجديدة وهى موضة التجاوزات اللفظية لتصبح نجما لامعا وضيفا دائما على برامج التوك شو المسائية أو بالأحرى مسرح الحناجر اليومى الذى يبدأ فى الثامنة من مساء كل يوم فى فقرة( أين تشتم هذا المساء ؟ ).

تعجب سيدى واندهش من هؤلاء الحلزونيون المتلونون .. تعجب سيدى من تبديل المبادئ وبيع الضمير عند أول رصيف .. ويا للعجب العجاب أن نرى هذه المخلوقات الحلزونية تطل علينا كل ساعة بلون جديد وفكر جديد، فمن دعى أمس إلى سقوط حكم العسكر ومصر دولة مش معسكر هو نفسه الداعى الآن وبكل حماسة لعودة العسكر للانقلاب، من دعى لإبعاد الجيش والشرطة عن السياسة هو نفسه المهلل فرحا وطربا بحكم المحكمة الدستورية بأحقية الجيش والشرطة فى التصويت والترشح للانتخابات.

من ملأ الدنيا صراخا وعويلا من أجل دولة مدنية هو نفسه الداعى لقيام دولة عسكرية، من دعى لإقالة النائب العام السابق هو بعينه الداعى لبقائه، من رفع لافتات من أجل تطهير القضاء فى الميدان هو نفسه الداعم لبقاء الحال على ما هو عليه (والعاقبة عندكم فى الثورات).

ولو استطاع باحث متفرغ لرصد تصريحات هؤلاء الحلزونيون المتلونون على مدار العامين الماضيين لوجد ألوان الطيف السبعة فى تغيير الجلود وتبديل الوجوه وتلوين الضمائر.

لا يمكن أن يختلف أحد على فشل الإخوان فى حل مشاكل كثيرة من المشاكل التى تعانى منها مصر، إما عجزا أو تعجيزا ولا أحد يختلف على أن الإخوان ليس لديهم رؤية واضحة ومحددة لقيادة البلاد وأن حجهم السياسى الحقيقى ليس أكثر من مجرد حزب قوى له ما له وعليه ما عليه.

لكن هل هذا مبرر لأن تتحول المنافسة السياسية والخلاف فى الرأى إلى كره أعمى، لأن ينحدر مستوى الحوار السياسى إلى مستنقع من الألفاظ والسب والتشبيهات الساقطة بمباركة من كنا نظنهم من النخبة المحترمين ومن ذوى الضمائر، هل هذا يستدعى لأن تتلخص فكرة معظم البرامج التلفزيونية إلى مجرد السخرية والسب من جماعة أو رئيس مهما كانت سقطات هذه الجماعة أو قرارات هذا الرئيس، أن تتحول الحناجر الحلزونية إلى خناجر تطعن كل ليلة وبكل قوة فى الشرف والذمة والتاريخ لكل رأى مخالف بسبب وبدون سبب.

بناء الأمم يحتاج إلى ذمم وضمائر نظيفة والحفاظ على بقاء هذه الأمم يحتاج إلى أخلاق فى زمن عزت فيه الأخلاق وشحت فيه الضمائر.

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا .








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة