الهيئة العامة "للطبطبة" قصور الثقافة سابقا

الإثنين، 15 يونيو 2009 03:43 م
الهيئة العامة "للطبطبة" قصور الثقافة سابقا السمرى: بتولى الدكتور أحمد مجاهد لرئاسة الهيئة تفاءل الجميع خيرا
وائل السمرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء


"أنا أتعلم أنا أتنور" شعار كنا نسمعه زمان، وقت أن كان "العلم نور" قبل أن يصك المصريون الجدد حكمتهم القائلة: "العلم نور والنور كهربا والكهربا خطر فلا داعى للعلم" مكرسين بهذه الجملة الساخرة لواقع يتجاهل العلم والعلماء ويزدريهم وينفيهم ماديا ومعنويا، بعد أن تنازلت مصر "عن تراث هدى شعراوى ورفاعة الطهطاوى وطه حسين" ومارست بطريقة تدريجية منظمة انتزاع أظفار الثقافة من جذورها، وتقليم عقول المثقفين قبل أن يبدوا فى مهمتهم التنويرية، لنترحم الآن على حلم لم يكتمل، وثورة علمية لم ترَ النور، وعقول وفية قضت وعن ديارها مضت.

بداية الأزمة كانت مع بداية عصر الضباط الأحرار، وللمفارقة فإن حال الثقافة المصرية لم يبدأ فى التدهور إلا حينما خصصت الدولة إحدى وزاراتها للاهتمام بهذا الشأن، ففى أكتوبر من العام 1958 جاء أول ذكر لوزارة الثقافة التى تقلد زمامها الدكتور ثروت عكاشة أول وزير للثقافة والإرشاد القومى الذى مكث بهذا المنصب حتى عام 1961، وبهذا التبنى الحكومى للثقافة بدأت الأزمة فى التفاقم، وبدأت الدولة فى "التخديم" على مشاريعها المتعددة ومهاجمة ما عاداها، حتى وصل الأمر إلى لوم الشعراء الذين يكتبون ألمهم وحزنهم، وحرمانهم من مواصلة مشروعهم الإبداعى كما رسمه عقلهم المستنير، وفى هذا التوقيت أدخل النظام الحاكم رجاله فى الكيان الثقافى، جاعلين من أنور السادات مثلا مديرا عاما لإحدى المجلات الثقافية "مجلة الرسالة الجديدة" ومن يوسف السباعى رئيسا للتحرير، فى الوقت الذى كان يتساءل المبدعون فيما بينهم عن يوسف السباعى متحيرين: هل هو ضابط فى الأدب، أم أديب فى الضباط؟

كان على وزارة الثقافة أن تجد لها أذرعا لتدخل بها قرى مصر ونجوعها، ولهذا أنشأت الهيئة العامة للثقافة الجماهيرية، وما يتبعها من أقاليم مركزية يتم خلالها الاحتفال الكرنفالى التظاهرى بالإبداع دون تقديمه أو إنتاجه أو صقله ورعايته، وخطوة بعد خطوة بدأت هذه الهيئة الحكومية التى يتم الصرف عليها من أموال دافعى الضرائب فى التكريس للأنظمة القائمة وعدم السماح بأى شىء يحاورها أو يجادلها، أو يخالفها ويعارض توجهاتها، وليس أدل على هذا من مشكلة "الروايات الثلاثة" التى مارست فيها الهيئة حربا ضروسا ضد نفسها، لمجرد أن الروايات تخدش الحياء، وكأن الأدب والإبداع أتى ليهدهد القراء، ويحافظ على جمود العقول وتنميطها وتخلفها.

مع تولى الدكتور أحمد مجاهد لرئاسة الهيئة تفاءل الجميع خيرا بالشاب الواعد المثقف الذى تربى فى حضن العظماء أمثال عبد القادر القط وعز الدين إسماعيل، واحتك بالكبار أمثال جابر عصفور وصلاح فضل ومحمد عبد المطلب، إلا أن هذا المثقف الأكاديمى الذى يقدر قيمة العلم وحامليه، بدا وكأنه يتنصل من هذا التقدير حينما هبت أول رياح الهجوم من بعض المعارضين للموضوعية والعلمية، أثر نشر هيئة قصور الثقافة لكتاب "المعلم يعقوب بين الحقيقة والخيال" الذى صدر مؤخرا عن سلسلة "ذاكرة الوطن" التى تصدرها الهيئة ونفد خلال أقل من شهر، مجاهد صرح لليوم السابع قائلا "لن أعيد نشر كتب أغضبت الأقباط" وكأن وظيفته تحتم عليه "الطبطبة" وليس التنوير، الإخفاء وليس الكشف، التعتيم وليس التعليم، المصادرة وليس إفساح الدرب للرأى والرأى الآخر، وكأن تاريخ مصر حكر الأهواء والميول، يفعل به المسئولون ما يشاءون وقتما يشاءون.

المشكلة ليست فى كتاب أغضب الأقباط، أو أغضب المسلمين، أو أغضب اليهود، فإذا سارت المؤسسات الثقافية على هذا النهج، فمن الطبيعى ألا نعيد طباعة تاريخ الطبرى مثلا لأنه يقر بمذابح الأمويين وهتكهم للأعراض فى المدينة المنورة، أو نصادر على الكتابات التى تكشف ممارسات الحكام المسلمين المتعسفة تجاه الأقباط إبان تعريب الدواوين، لأن هذا يغضب المسلمين أو نصادر على كتاب "الأساطير المؤسسة" لروجيه جارودى الذى يتشكك فيه من عدد اليهود الذين قضى عليهم فى أفران الغاز النازية، لأنه يغضب اليهود، وهذا الذبح والتعتيم لا يعود بفائدة إلا على من يريدون أن نظل هكذا: عشوائيين إن فكرنا، همجيين إن نفذنا، مكبوتين إن حلمنا، مقهورين إن صرخنا، ضعفاء البصر إن نظرنا إلى الحاضر، فاقدى البصيرة إن تطلعنا إلى المستقبل، مفتقدى الهوية، منزوعى الأمل، مبتورى الأحلام.

أفهم أن يثير بحث علمى غضب البعض، وأفهم أيضا أن يعترض المعترضون متشككين فى نتائج البحث ومقدماته، وأفهم أن تراعى المؤسسات الحكومية مشاعر المواطنين بتوضيح الأفكار وتنقيحها والسماح للمخالفين للرأى بإبداء رأيهم، وتجاه المشكلة التى وقعت إثر نشر "المعلم يعقوب" كان يجب على الهيئة أن تعيد طباعة الكتاب مع إرفاق الآراء العلمية التى تفند به من مزاعم ـ إن وجدت ـ لكن ما لا أفهمه أن تتنصل مؤسسة ثقافية كبيرة من دورها التنويرى وتتجه إلى "الطبطبة" على بعض التيارات مكرسة بذلك لسياسة "تقبيل اللحى" التى تزيد الاحتقان الطائفى وترسخ للعنف لا للفهم والتبصر والمكاشفة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة