معصوم مرزوق

فى فقه تحضير العفريت وصرفه

الأحد، 26 مايو 2013 08:36 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان «بريجنسكى» من أوائل المطالبين بدعم أمريكا للمسلمين فى وسط آسيا، حيث رأى فى الستينيات أنه يجب بناء استراتيجية تعتمد على تصعيد المشاكل داخل الاتحاد السوفييتى، وتستند على الجمهوريات الإسلامية فى جنوب الاتحاد السوفييتى وهو ما أطلق عليه اسم «القوس الإسلامى»، وقامت المخابرات الأمريكية بتوزيع المصاحف باللغات الآسيوية والروسية على القادمين لأداء شعائر الحج، وبتنسيق كامل مع المخابرات السعودية. وعندما تولى «بريجنسكى» منصب مستشار الأمن القومى فى إدارة جيمى كارتر، بدأ فى تطبيق تلك الاستراتيجية بأبعاد جديدة، حين رأى أن «أفغانستان» يمكن أن تمثل للاتحاد السوفييتى ما مثلته «فيتنام» لأمريكا، وأنه يجب التركيز على إغراق السوفييت فى المستنقع الأفغانى، وبدأ التنسيق الحثيث مع باكستان وبعض الدول العربية وأبرزها مصر والسعودية كى يحول التواجد السوفييتى فى أفغانستان إلى جهنم.
فى يناير 1980 زار بريجنسكى القاهرة بهدف استكمال «خطة الجهاد الإسلامى» فى أفغانستان، والتقى بالسادات الذى وافق على مشاركة مصر الكاملة فى الجهاد، وأعطى موافقته على أن تستخدم القوات الجوية الأمريكية القواعد المصرية، مع توفير كميات من الأسلحة التى كانت مصر تستوردها من الاتحاد السوفييتى لتزويد المشاركين فى العمليات الجهادية، مع تجنيد وتدريب وتسليح نشطاء جماعة الجهاد الإسلامى فى مصر، وتيسير مرورهم إلى أفغانستان لخوض المعركة. ويقول جون كولى رئيس محطة المخابرات الأمريكية فى باكستان إن «مصر فتحت مخازن أسلحتها السوفييتية كى تشارك بها فى مهمة الجهاد، وفى هذا الصدد تم تمويل مصنع سلاح قديم قرب حلوان لتوريد نفس الأنواع من الأسلحة»، ويضيف كولى أن «الحكومات الإسلامية أفرغت سجونها من المتشددين القتلة كى يتم إرسالهم إلى الحرب فى أفغانستان، وأنه بحلول نهاية عام 1980 تم إرسال مدربين من الجيش الأمريكى إلى هؤلاء المصريين الذين سيدربون المتطوعين المصريين الذاهبين للجهاد فى أفغانستان». وفى أكتوبر من العام التالى (1981)، قامت جماعة الجهاد الإسلامى التى اشتد ساعدها باغتيال السادات، وأصبحت مسألة التعامل مع ظاهرة ما يسمى «العائدون من أفغانستان» تؤرق المختصين فى أجهزة الأمن المصرية، وشهدت التسعينيات عمليات قتل وتفجير حولت بعض شوارع مصر إلى ميادين قتال. وكانت أمريكا خلال بداية التسعينيات قد بدأت فى عملية «جمع الثعابين» التى أطلقتها، وشهدت منطقة بروكلين فى نيويورك عملية اغتيال مخابراتية صامتة (بالخناجر) للمسؤول عن صندوق المجاهدين (مصرى الجنسية)، ولكن كان من الصعب صرف العفريت الذى تم تحضيره بعناية، وهكذا توالت الانفجارات فى سفارات أمريكا فى نيروبى ودار السلام، ثم اندفعت العفاريت بالطائرات تضرب برجى التجارة فى نيويورك، كى يجن جنون أمريكا، وتنطلق بكل ما تملكه من عتاد وأسلحة كانت تعدها لحرب عالمية ثالثة كى تهاجم أفغانستان والعراق. ويبدو أن أمريكا قد أدركت قوة وفاعلية النار التى أشعلتها، ولذلك قررت أن تطفئها بوسيلة معروفة لرجال الإطفاء، وهى أن تستخدم نيرانا صغيرة لإطفاء النيران الكبيرة، وهكذا سارعت بدعم بعض الحركات الإسلامية فى العالم العربى، ووقفت بحسم إلى جانب الإخوان المسلمين، وخطتها الواضحة التى نشهد بعض نتائجها الآن هى أن تتولى من تراهم أمريكا «فصائل إسلامية معتدلة» محاربة العفريت الذى فشلت فى القضاء عليه أو ترويضه، وهكذا وقف أوباما يتحدث عن تغيير المنطقة الذى لم تطلق فيه أمريكا طلقة واحدة، بينما تدوى الطلقات وتنزف الدماء فى مدن وقرى دول الربيع العربى.
إن ما يحدث (وما سيحدث) فى ليبيا ومصر وتونس واليمن وغيرها، يؤكد أن العفريت الذى تم تحضيره فى سبعينيات القرن الماضى قد ازداد حجماً وتوحشاً، ولم تعد قضية هذا العفريت مهاجمة المصالح الأمريكية أو حتى الإسرائيلية، وإنما الإعداد للانقضاض على عفريت آخر معتدل أو معدل تم تحضيره لمهمة محددة، بينما تقترب سحابات تلقى رصاصاً ودماءً فى الشرق الأوسط.. وفى مكان ما فى واشنطن يجلس كودية الزار «بريجينسكى» وهو يضحك ملء شدقيه.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة