هوامش على دفتر النكسة

الإثنين، 01 يونيو 2009 11:55 ص
هوامش على دفتر النكسة الشاعر نزار قبانى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنعى لكم، يا أصدقائى، اللغةَ القديمة
والكتبَ القديمة
أنعى لكم..
كلامَنا المثقوبَ، كالأحذيةِ القديمة..
ومفرداتِ العهرِ، والهجاءِ، والشتيمة
أنعى لكم.. أنعى لكم
نهايةَ الفكرِ الذى قادَ إلى الهزيمة

***
يا وطنى الحزين
حوّلتَنى بلحظةٍ
من شاعرٍ يكتبُ الحبَّ والحنين
لشاعرٍ يكتبُ بالسكين
إذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ
لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُ الشرقى من مواهبِ الخطابهْ
بالعنترياتِ التى ما قتلت ذبابهْ
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والربابهْ
خلاصةُ القضيهْ
توجزُ فى عبارهْ
لقد لبسنا قشرةَ الحضارهْ
والروحُ جاهليهْ...

***
كلّفَنا ارتجالُنا
خمسينَ ألفَ خيمةٍ جديدهْ
لا تلعنوا السماءْ
إذا تخلّت عنكمُ..
لا تلعنوا الظروفْ
فالله يؤتى النصرَ من يشاءْ
وليس حدّاداً لديكم.. يصنعُ السيوفْ
ما دخلَ اليهودُ من حدودِنا
وإنما..
تسرّبوا كالنملِ.. من عيوبنا

***
نركضُ فى الشوارعِ
نحملُ تحتَ إبطنا الحبالا..
نمارسُ السَحْلَ بلا تبصُّرٍ
نحطّمُ الزجاجَ والأقفالا..
نمدحُ كالضفادعِ
نشتمُ كالضفادعِ
نجعلُ من أقزامنا أبطالا..
نجعلُ من أشرافنا أنذالا..
نرتجلُ البطولةَ ارتجالا..
نقعدُ فى الجوامعِ..
تنابلاً.. كُسالى
نشطرُ الأبياتَ، أو نؤلّفُ الأمثالا..
ونشحذُ النصرَ على عدوِّنا..
من عندهِ تعالي...

***
لو أحدٌ يمنحنى الأمانْ..
لو كنتُ أستطيعُ أن أقابلَ السلطانْ
قلتُ لهُ: يا سيدى السلطانْ
كلابكَ المفترساتُ مزّقت ردائى
ومخبروكَ دائماً ورائي..
عيونهم ورائي..
أنوفهم ورائي..
أقدامهم ورائي..
كالقدرِ المحتومِ، كالقضاءِ
يستجوبونَ زوجتى
ويكتبونَ عندهم..
أسماءَ أصدقائي..
يا حضرةَ السلطانْ
لأننى اقتربتُ من أسواركَ الصمَّاءِ
لأنني..
حاولتُ أن أكشفَ عن حزني.. وعن بلائى
ضُربتُ بالحذاءِ..
أرغمنى جندُكَ أن آكُلَ من حذائى
يا سيدي..
يا سيدى السلطانْ
لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ
لأنَّ نصفَ شعبنا.. ليسَ لهُ لسانْ
ما قيمةُ الشعبِ الذى ليسَ لهُ لسانْ؟
لأنَّ نصفَ شعبنا..
محاصرٌ كالنملِ والجرذانْ..
فى داخلِ الجدرانْ..
لو أحدٌ يمنحُنى الأمانْ
من عسكرِ السلطانْ..
قُلتُ لهُ: لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ..
لأنكَ انفصلتَ عن قضيةِ الإنسانْ..

نزار قبانى









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة