التراث المصرى تحت "الحماية" الأمريكية.. جناح خاص للآثار المصرية فى متحف "ميتروبوليتان" بنيويورك يحوى 24 ألف قطعة أثرية.. تقنيات حديثة للحفاظ على المقتنيات وتثقيف الموظفين بتاريخها أبرز دروس الحدث

بمجرد وصولى لنيويورك كجزء من برنامج الزائر الدولى الذى ترعاه الخارجية الأمريكية، قال لى المرافقون لوفدنا المكون من 15 شخصا من 9 دول عربية مختلفة، أن محطتى الأولى كمصرية يجب أن تكون متحف الميتروبوليتان، لأنه يضم جناح كامل خاص بالآثار المصرية ضمن أجنحة المتحف العملاق الذى يضم ما يقرب من 3 ملايين قطعة اثرية من مختلف الحضارات تعود للفن الحديث والقديم.













ولأنى مصرية؛ انتابنى شعور غريب عند دخول هذا الصرح العظيم، شعور تفاوت بين الغيرة والفخر، إذ كان فى استقبالى تمثال شامخ يزين مدخل أضخم متاحف العالم، كجزء من 24 ألف قطعة أثرية أصلية يضمها الميتروبوليتان، تعود لعصور مختلفة تتفاوت بين عامى 3 ألاف قبل الميلاد وحتى عام 400 بعده وتشمل معبد "دندور" الذى يعود إلى العصر الرومانى، وكان موجودا بالنوبة وأهدته مصر كاملا إلى الحكومة الأمريكية عام 1963م لدورها فى إنقاذه من الغرق بعد بناء السد العالى بإسوان، فلم تكتف أمريكا فقط بنقله بعناية فائقة، وإنما بنت جزء خاص من المتحف بطريقة معينة ليلائم المعبد الذى تم تركبيه كما وجد على وضعه قديما.

شعورى بالفخر مفهوم سببه بالطبع، الآلاف إن لم يكن الملايين –المتحف يزوره 4 ملايين شخص سنويا- يأتون من كل حدب وصوب ليرون آثار بلدي، آثار كبرت أنا بين كنفها، وأستطيع أن أذهب إليها إذا أردت بكل سهولة، ولكن ما أثار غيرتى، أعتقد سببه أيضا مفهوم.








لن أتحدث عن إمكانيات المتحف، فرغم أهمية ذلك، إلا أن ما أبهرنى لم يكن متعلقا بالإمكانيات، وإنما بوعى إدارة المتحف بما يقتنيه من كنوز ، وحرصه الشديد على نشر هذا الوعى بين الموظفين، ليس فقط المعنيين بالحفاظ على الآثار وتوجيه الزائرين، وإنما حتى موظف الاستقبال. فعندما حاولت أن أدفع ثمن التذكرة المقرر وهو 25 دولار، قال لى الموظف والابتسامة تعلو وجهه أنى لست مضطرة لدفع هذا المبلغ، بل لست مضطرة لدفع أى مبلغ على الإطلاق، فهذه القيمة هى الحد الأقصى للدفع ولكن يمكن دفع أى مبلغ كتبرع للمتحف، إذا أراد الزائر هذا، وإن لم يرد فلا فرق على الإطلاق ولن يسأله أحد إلى أين يذهب.

الوعى بقيمة المقتنيات وارث الحضارات لم ينته هنا، فالغريب كان وجود صف من الزائرين أمام مكتب موظف قطع التذاكر، للدفع مقابل الدخول إلى المتحف. ولا يسعنى إلا أن اتصور نفس الموقف يحدث فى أحد متاحف مصر، هل كان الموظف سيفعل مثلما فعل نظيره الأمريكى ويرفض المبلغ رغم أنه يرى أمامه سائح أجنبى!









لن أجيب على هذا التساؤل ولكن سأسرد موقف مماثل حدث فى مطار القاهرة من موظف أيضا ولكم الحكم. فلدى الوصول قادمين من مطار ألمانيا، بحلول الساعة الثالثة عصرا، لم يكن هناك سوى موظفين فى استقبال المسافرين فى قسم الجوازات الذى لسبب ما لا اعرفه كان قليل الإضاءة وكئيب، فكان الصف طويلا للغاية ويضم مصريين وأجانب على حد سواء. وكان أمامى سائحين سألا موظف من أين يأتون بتأشيرة الدخول، فقال لهم إن عليهم الانتظار فى الصف وسوف يأخذونها من موظف الجوازات مقابل 30 دولارا وظلا ينتظران فى الصف حتى انتهت أمامهم أسرة أجنبية من دفع ثمن التأشيرة والدخول، فعرضا على أن اتقدم امامها لأنهما يستغرقان وقتا، ولكنى رفضت، وعندما وصلا أخيرا بعد انتظار ما يقرب من 20 دقيقة، قال لهما الموظف الذى كان يتحدث عبر الهاتف طيلة هذه الدقائق، إن عليهما أن يدفعا ثمن تأشيرة الدخول عبر البنك مشاورا بيديه ناحية المجهول، فنظرا لى وعيناهما فارغة لا يدريان إلى أين يذهبان ولم استطع أن أفعل شيئا سوى أن أسأل عن مكان هذا البنك ليذهبا وهم متكئان على بعضهما البعض إليه!.









وبالعودة للمتحف حيث المبتسمون والواعون؛ لن أقارن أيضا متاحفنا بمتحف الميتروبوليتان العظيم، بأجنحته العديدة التى تضم مختلف الحضارات الآسيوية والأوروبية والإسلامية والعربية وغيرها، ولكن هناك الكثير والكثير الذى يمكن أن نتعلمه، فمثلا لا يمكن للزائر أن يلمس أى من الآثار، فإن لم يكن هناك جهاز يصدر انذارا بمجرد الاقتراب لحد معين، تجد موظف يطلب منك عدم الاقتراب كما يطلب عدم استخدام الفلاش، وإن سألته عن أى شئ متعلق بالجناح الذى يقف فيه، يجيبك فورا بالمعلومات. فضلا عن أن طريقة العرض نفسها مميزة للغاية، فتجد المعروضات موضوعة بنفس الترتيب الذى عثر عليه قديما، وإن أمكن يتم وضعها داخل زجاج للحفاظ عليها.









اعتقد ما اريد قوله هو أن ما ينقصنا يتعلق بالعنصر البشرى أو بالأحرى العنصر الأخلاقى ،فهذا العنصر هو ما سيساعدنا على استقبال السائحين وإرشادهم دون استغلالهم، وهو ما سيساعدنا على تنمية وعينا بحضارتنا العظيمة التى ترفع اسم بلدنا عاليا حتى يومنا هذا فى كل مكان فى العالم ، هذا الوعى الذى كان ليمنع الموظف من لصق ذقن تمثال الملك توت عنخ آمون الكارثى بمادة صمغية، وهو أيضا ما سيساعدنا على مراعاة ضمائرنا فيما يتعلق بالحفاظ على الاموال التى تهدف لإنعاش هذا القطاع البائس، لاسيما بعد إهدار وضياع ما يقرب من 150 مليون جنية مخصصة لدعم المتحف المصرى الكبير من خلال قرض ميسر من الحكومة اليابانية وغيرها.

معلومات عن المتحف:

يضم المتحف 19 جناحا متحفيا وأكثر من 3 مليون قطعة أثرية أصلية تعود لشتى الحضارات والثقافات، ويشتهر بمقتنياته الواسعة عن الفن الأوربى فى فرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا فى جميع مراحله منذ عصر النهضة حتى الفن الحديث، مروراً بروائع فن الباروك فى أوربا والمدرسة الرومانتية والانطباعية والاتجاهات الحديثة من تكعيبية وسريالية وتجريدية.

ومع هذه المقتنيات مجموعات من التحف الفنية والمعمارية التى تعود إلى العصور الوسطى، من مصورات ورسوم وأزياء وآلات موسيقية وفنون زخرفية مختلفة، وقد أُودع بعض هذه التحف فى المبنى الأساسى وبعضها فى بناء مستقل يسمى الأديرة Cloisters، وهو أحد فروع المتحف ويقع فى حديقة قلعة تريون Tryon فى أعلى مانهاتن على نهر هدسون، وهو عمارة حديثة بأسلوب العصور الوسطى، افتتح عام 1931 هدية من جون روكفلر الابن.

المزيد من الصور ...

موضوعات متعلقة..

- آثار الأقصر: 9877 سائحًا زاروا المعابد والمتاحف خلال الـ 4 أيام الماضية