في شوارع القاهرة وأسيوط والمنصورة، وعلى الأرصفة المسفوحة بالشمس، لا يمر يوم في يوليو دون أن تسمع أحدهم يتمتم ساخطًا: "دي أيام الكلب!"، في إشارة إلى موجة الحر التي تضرب البلاد كل عام، وتبدأ 3 يوليو وتبلغ ذروتها بين منتصف يوليو وحتى نهاية أغسطس.
مصطلح "أيام الكلب" ليس مجرد سباب شعبي، بل تعبير تراثي قديم يشير إلى أشد فترات الحر قسوة في السنة، التي تتزامن فلكيًا مع ظهور نجم الشعرى اليمانية (Sirius) المعروف بـ"نجم الكلب"، وهو أكثر النجوم سطوعًا في السماء. وعند العرب القدماء، كانت هذه الأيام مرادفة للوباء والعطش والغضب.
واليوم، تعود "أيام الكلب" بشكل أكثر قسوة، مدفوعةً بالتغير المناخي، لتطرح سؤالًا مؤلمًا: هل المدن المصرية صالحة للعيش في ظل هذا الجحيم؟.
في تحقيقنا هذا، نبدأ من القاهرة، حيث تصل درجات الحرارة إلى 46 درجة مئوية في الظل، بينما يشعر المواطن بأن الحرارة تتجاوز ذلك بكثير، خاصة مع غياب الغطاء الأخضر، وزيادة الكتلة الخرسانية، واختفاء التيارات الهوائية.
"بنشتغل من 7 الصبح.. بس الساعة 10 الشمس بتقطع الجلد"، هكذا يصف حسن عبد الغفار، عامل بناء في مدينة نصر، يومه في "أيام الكلب".
يضيف: "فيه زملاء بيغمى عليهم، وآخرين بيكملوا وهم بيشربوا خل عشان ما يجيلهمش ضربة شمس".
المشكلة لا تقف عند العمال فقط، بل تمتد إلى السائقين، البائعين، وأفراد الأمن، الذين يعملون لساعات طويلة في حرارة تقترب من الخطر.
بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، فإن التعرض لحرارة تتجاوز 40 درجة لأكثر من ساعتين قد يؤدي إلى إجهاد حراري يهدد الحياة، خصوصًا للفئات الضعيفة مثل كبار السن، الأطفال، والمرضى.
أطباء في مستشفيات حميات إمبابة وحلوان أكدوا في تصريحات سابقة لـ"اليوم السابع" أن أعداد المصابين بضربات الشمس ارتفعت بنسبة 25% في الأسبوع الأخير من يوليو الماضى مقارنة بالفترة نفسها من العام الذى سبقه.
تقول الدكتورة هالة عبد المنعم، طبيبة طوارئ:"المصاب بيجي متشنج، مبلول عرق، ضربات قلبه سريعة جدًا. لازم يدخل تبريد فوري.. بس مش دايمًا في إمكانيات."
في القرى والصعيد، الوضع أسوأ، حيث يعتمد كثيرون على "التغسيل بمية ساقعة" أو "الخل والليمون"، وهي وسائل لا تكفي أمام خطر الاحتباس الحراري الحقيقي.
تكييفات الهواء أصبحت خط الدفاع الأول عند الطبقة المتوسطة والعليا، لكنها ترف لا يملكه ملايين من سكان المناطق الشعبية والعشوائية، الذين يواجهون الحر بالمراوح القديمة، أو النوم على الأسطح، أو ببساطة: لا ينامون.
وفقًا لبيانات الهيئة العامة للأرصاد الجوية، فإن متوسط درجات الحرارة في مصر ارتفع بمعدل 1.5 درجة مئوية في آخر 30 سنة، والسنوات الخمس الأخيرة كانت الأكثر حرارة في تاريخ البلاد المُسجّل.
البيانات تشير إلى أن السنوات الخمس الماضية سجلت أعلى معدلات حرارة في تاريخ مصر المُسجل، مما يؤكد هذا الادعاء، وذلك ضمن إطار الارتفاع المستمر للحرارة.
وتتوقع الأمم المتحدة أن يزداد عدد الأيام شديدة الحرارة في مصر بنسبة 50% بحلول عام 2050، ما لم تُتخذ خطوات جادة لمواجهة تغير المناخ.
وذكر تقرير حديث نشر في 21 يونيو 2025 أن وزارة الصحة رفعت درجة الاستعداد بـ55 مستشفى حميات لاستقبال حالات الإجهاد الحراري وضربات الشمس، مع توفير بروتوكولات علاج مجانية وتدريب للأطباء