في مشهد يفيض بالسكينة والخشوع، يعيش المسجد الحرام أجواء روحانية مميزة بعد انتهاء مناسك الحج، حيث يواصل الآلاف من الحجاج والمصلين والزوار أداء العبادات في رحابه الطاهرة، مستشعرين عظمة المكان وجلال اللحظة، وقد خفّت وتيرة الزحام بعد انقضاء أيام التشريق، لتفسح المجال أمام مشاعر من التأمل والطمأنينة تسري في أرجاء الحرم الشريف.
يتوزع ضيوف الرحمن في أركان المسجد الحرام بين مصلين وطائفين وقارئين للقرآن، في لوحة بشرية متناسقة تنبض بالإيمان، وتعبّر عن وحدة المشهد الإسلامي رغم تنوع الجنسيات والثقافات.
وتتنقل العدسات بين الطوابق والممرات، لتوثق مشاهد لأشخاص يرفعون أكفّهم بالدعاء، وآخرين يجلسون في هدوء على سجاد الحرم يتلون آيات الله في لحظات صفاء نادرة قلّما تتكرر.
وقد حرصت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام على الاستمرار في تقديم الخدمات بذات الكفاءة التي شهدتها أيام الحج، حيث تواصل فرق النظافة والتعقيم عملها على مدار الساعة، وتنتشر عربات السقيا في مختلف أرجاء الحرم لتوزيع عبوات مياه زمزم، كما يتم تسهيل حركة الطواف والسعي عبر تنظيم دقيق للمداخل والمخارج والمسارات.
في هذه الأيام التي تلي انتهاء المناسك، يحرص كثير من الحجاج على العودة إلى الحرم المكي لأداء صلوات إضافية، وطواف الوداع، والمكوث في رحابه أطول فترة ممكنة، مستغلين الأجواء الإيمانية الهادئة. ويصف بعض الزوار هذه اللحظات بأنها الأجمل خلال رحلتهم، حيث تتبدد مشقة الزحام ويعلو صوت السكينة.
وفي مشهد مؤثر، يمكن رؤية كبار السن وهم يسيرون على أطراف الساحات، تحيط بهم عناية أبنائهم أو فرق الدعم التطوعي، فيما يحتضن بعضهم مصاحفهم الصغيرة ويقرأون بتركيز بالغ، غير عابئين بصخب العالم الخارجي. هذه اللحظات التي يختلط فيها التعب بالطمأنينة، تمثّل خلاصة تجربة الحج، ومسك ختامها.
ويبقى المسجد الحرام بعد الحج محطّة روحية سامية، يستمر فيها التدفق الإيماني، وتبقى فيها ملامح الخشوع حاضرة في كل زاوية، شاهدة على رحلة روحانية لا تنتهي بانتهاء المناسك، بل تتجدد في كل سجدة ودعاء ودمعة امتنان.
