سوهاج
في واقعة لافتة وقعت مؤخرًا خلال تنفيذ أعمال الجسات التمهيدية لإنشاء سوق حضري بمدينة المنشاة جنوب محافظة سوهاج، عُثر بالصدفة على رؤوس ثلاثة أعمدة حجرية، بالإضافة إلى حوض حجري، وذلك على عمق ثلاثة أمتار بجوار أحد المساجد الملاصقة لموقع السوق الجديد وقد تم على الفور إبلاغ الجهات المختصة، وجارٍ عرض المكتشفات على هيئة الآثار لتحديد هوية الموقع، ومدى أهميته التاريخية، وإلى أي عصر قد تعود هذه العناصر المعمارية.
وعلى الفور، تم اتخاذ الإجراءات اللازمة بعرض الأمر على هيئة الآثار بسوهاج، لتحديد طبيعة المكتشفات ومصدرها، وما إذا كانت تنتمي لموقع أثري قديم أم لا، في ظل عدم وجود تأكيد رسمي حتى الآن حول مدى أثريتها.
وتخضع المكتشفات حاليًا للدراسة والفحص من قبل المتخصصين في الهيئة، تمهيدًا لاتخاذ القرار المناسب بشأنها، وتحديد ما إذا كانت تستدعي تدخلًا أثريًا رسميًا أو أنها لا تحمل طابعًا تاريخيًا.
هذا الاكتشاف المفاجئ يعيد تسليط الضوء على مدينة المنشاة، التي لطالما ارتبط اسمها بتاريخ طويل من الحضارات القديمة، وخاصة العصر البطلمي. وتقع المدينة على بعد 10 كيلومترات فقط جنوب مدينة سوهاج، ويبلغ عدد سكانها بحسب إحصاءات عام 2019 نحو 574,523 نسمة، موزعين على 128,737 أسرة، ويشكّل الذكور نحو 299,885 من العدد الكلي، بينما يبلغ عدد الإناث 274,638.
وتضم المنشاة خمس مجالس قروية رئيسية هي: العيساوية، وأولاد حمزة، والزوك، والدويرات، وأولاد سلامة. وتشتهر هذه المناطق بتنوعها الجغرافي والسكاني، إلا أن شهرتها الأوسع جاءت بسبب وجود شواهد تاريخية يُعتقد أنها تعود للعصر البطلمي، حيث تشير تقارير ودراسات عديدة إلى أن معظم أراضي المدينة، وخاصة المناطق السكنية، قائمة فوق مواقع أثرية غير مكتشفة بالكامل.
وتُعاني المنشاة من ظاهرة التنقيب العشوائي عن الآثار، حيث يلجأ بعض الأهالي إلى الحفر في منازلهم أو أراضيهم الخاصة، بحثًا عن كنوز مدفونة تحت الأرض. ورغم حملات الملاحقة المستمرة من شرطة السياحة والآثار، لا تزال هذه الظاهرة منتشرة.
وفي واقعة حديثة، أعلنت الجهات الأمنية عن ضبط عدد من الأشخاص أثناء تنقيبهم عن الآثار داخل منزل أحد العاملين بقطاع التربية والتعليم، وكشفت التحقيقات أن المتهمين عثروا بالفعل على جزء من معبد يرجّح أنه يعود للعصر البطلمي، إلى جانب وجود ممرات حجرية وعناصر معمارية عليها نقوش ورسوم.
وتم التحفظ على الموقع بمعرفة النيابة العامة، لحين اتخاذ الإجراءات الرسمية، وسط اهتمام واسع من الباحثين والمؤرخين، الذين يرون في هذه الاكتشافات فرصة ثمينة للكشف عن طبقات من التاريخ غير المستكشفة بعد في هذه المنطقة.
وفي هذا السياق، أكد أحد أساتذة الآثار والدراسات اليونانية واللاتينية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، خلال ندوة علمية بجامعة سوهاج، أن مدينة المنشاة تُعد واحدة من المدن البطلمية القديمة. وأوضح أن اسمها الأصلي كان "بطلمية"، نسبة إلى بطليموس الأول، أحد مؤسسي الدولة البطلمية في مصر، وكانت تُعد ثالث مدينة ينشئها اليونانيون بعد الإسكندرية والفيوم.
وأشار إلى أن المدينة تحتضن بقايا معابد ومبانٍ أثرية، مطمورة تحت الأحياء السكنية الحالية، وأن الكشف المنهجي عنها يتطلب جهودًا ضخمة من الدولة، إلى جانب توفير اعتمادات مالية مناسبة لعمليات الإخلاء والتنقيب الرسمي، وتوثيق هذه المواقع بالشكل الملائم.
من جهته، صرّح مصدر مسؤول بهيئة آثار سوهاج أن مدينة المنشاة تعد من المناطق الغنية بعناصر معمارية تعود للعصور القديمة، لاسيما العصر البطلمي، موضحًا أن غالبية المنازل هناك مبنية فوق بقايا معابد وأبنية حجرية ضخمة. وأشار إلى أن الاكتشافات المتفرقة، سواء خلال أعمال حفر رسمية أو حتى في حالات التنقيب غير القانوني، تؤكد أن المدينة لا تزال تخفي كنوزًا أثرية ضخمة تحت ترابها.
وبالعودة إلى الاكتشاف الأخير أثناء تجهيز السوق الحضري، يبقى تحديد هوية الموقع وتراثه رهنًا بنتائج الفحص والتحقيق الجاري من قبل الهيئة المختصة، وهو ما يفتح بابًا واسعًا لاحتمالات جديدة، قد تعيد تشكيل فهمنا للجغرافيا الأثرية في جنوب مصر، لا سيما محافظة سوهاج التي بدأت في السنوات الأخيرة تأخذ مكانتها المستحقة على خارطة الاكتشافات التاريخية في البلاد.

أحد-الاعمدة-المعثور-عليها

أحد-الاعمدة-بالحفر

ارض-السوق-الحضرى-محل-الواقعة

الحوض-الحجرى-المعثور-عليه

اماكن-الجسات-بالسوق

اماكن-للجسات-بالسوق_1

جسات-السوق-الحضرى

عمودين-اخرين-بمكان-الحفر

مكان-الحوض-بالحفر_1