صناعة الحرب والسلام فى زمن الذكاء الاصطناعى.. حرب أوكرانيا أطلقت شرارة استخدام AI فى أرض المعركة.. إسرائيل استغلته لملاحقة الفلسطينيين فى غزة.. ودراسة أمريكية تبشّر باستخدامه فى رسم سيناريوهات السلام

الجمعة، 25 أبريل 2025 06:30 م
صناعة الحرب والسلام فى زمن الذكاء الاصطناعى.. حرب أوكرانيا أطلقت شرارة استخدام AI فى أرض المعركة.. إسرائيل استغلته لملاحقة الفلسطينيين فى غزة.. ودراسة أمريكية تبشّر باستخدامه فى رسم سيناريوهات السلام الذكاء الاصطناعى فى الحرب (صورة بالـ AI)
كتبت: ريم عبد الحميد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عندما ألقت الولايات المتحدة قنبلتين ذرتين على مدينتى هيروشيما وناجازكى اليابانيتين عام 1945، كان هذا بداية لعهد جديد للأسلحة المستخدمة فى الحروب، بسلاح ذى قدرة تدميرية هائلة لم يسبق لها مثيل.

صحيح أن استخدام القنبلة الذرية فى الحرب لم يتكرر مرة أخرى بعد التجربة الأمريكية، إلا أنه فتح الباب لتغيير شامل فى الاستراتيجيات العسكرية للدول الكبرى، وغيّر أساليب الهجوم والردع والدفاع، ودفع البعض للتفكير فى امتلاك هذا السلاح.

ومع بدء مرحلة الجديدة من الحروب فى الألفية الجديدة، ممثلة فى الحرب السيبرانية، تطور الأمر سريعاً ليتم الاستعانة بـ الذكاء الاصطناعى فى الحروب، تجلى بشكل واضح فى السنوات القليلة الماضية، لاسيما فى الحربين اللتين شغلتا العالم؛ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والحرب بين روسيا وأوكرانيا.


حرب روسيا وأوكرانيا

تعتبر "روسيا وأوكرانيا" أول حرب وصراع عسكرى يشهد وبشكل واضح استخدام الذكاء الاصطناعى فى ميدان المعركة، بحسب الخبراء. ولم يقتصر الأمر على طرف دون آخر، بل تبارى الطرفان المتحاربان فى استخدام التقنية الحديثة.

مسيرات ذكية فى حرب روسيا وأوكرانيا (صورة بالـ AI)
مسيرات ذكية فى حرب روسيا وأوكرانيا (صورة بالـ AI)

 

فعلى سبيل المثال، طورت روسيا أجهزة حديثة مضاد للمسيرات، تعمل بالذكاء الاصطناعى. وقالت مجلة نيوزويك الأمريكية فى تقرير لها العام الماضى إن هذا النظام المتنقل المضاد للطائرات المسيرة، والذى أطلق عليه أسم Abzats، قادر على تشويش جميع نطاقات التردد النشطة.

وأكد المدير العام لشركة جيران الروسية للأبحاث أن الجيش الروسى يستخدمه بالفعل فى حربه ضد أوكرانيا، وقال إنه يعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعى، ويمكنه التحرك على مسار محدد وتنفيذ مهام الحرب الإلكترونية دون مشاركة المشغّل.

كما طورت روسيا جهاز تشويش محمول آخر مضاد للطائرات المسيرة يعمل بالذكاء الاصطناعي يسمى Gyurza، والذي يستخدمه الجيش الروسى بأوكرانيا.

من جانبها، لجأت كييف إلى التكنولوجيا الحديثة فى محاولة لتقليل الفجوة بين قوة جيشها وقوة الجيش الروسى. وفى تقرير نشرته صحيفة التليجراف البريطانية الأسبوع الماضى عن جيش الروبوتات والآلات التى تستخدمها أوكرانيا فى أرض المعركة، سلطت الضوء على استخدام المسيرات التى تعمل بالذكاء الاصطناعى أيضا. وقال تقرير التليجراف إن أوكرانيا تعمل على  صناعة المركبات الجوية غير المأهولة  UAVs والمجال الأقل تطوراً من المركبات الأرضية غير المأهولة UGVs بهدف إنقاذ الأرواح.

لكن التقرير أشار أيضا إلى وجود مخاوف من أنها تقلل من الحواجز أمام القتل، مما يدفع الصراع إلى منطقة مجهولة.

بالنسبة لأوكرانيا، تحول الذكاء الاصطناعى إلى أحد الجنود فى حربها المستمرة ضد روسيا، وهو ما أكده سفير كييف لدى بريطانيا فاليرى زالوجني، والذى كان قائدا للقوات المسلحة الأوكرانية. حيث قال فى مقال نشره موقع Defense one إن الـ AI والطائرات المسيرة والبيانات أصبحت هى القاعدة فى الحرب، مما فرض تكتيكات ومعدات وأنظمة جديدة قادرة على التكيف بسرعة مع عدو متطور.

أدوات القتل الرقمية فى غزة

استعانت إسرائيل فى حربها الوحشية المستمرة على قطاع غزة بـ "أدوات رقمية" لملاحقة الفلسطينيين واستهدافهم وتدمير منشآتهم.

ففى سبتمبر الماضى، نشرت منظمة هيومان رايتش ووتش تقريراً قالت فيه إن الجيش الإسرائيلى يستخدم تقنيات المراقبة والذكاء الاصطناعى وأدوات رقمية فى تحديد أهداف هجماته فى غزة، بما يزيد خطر الإضرار بالمدنيين. وأشار تقرير المنظمة الحقوقية الأمريكية إلى أن استخدام هذه الأدوات الرقمية يثير مخاوف أخلاقية وقانونية وإنسانية خطيرة.

ورصد تقرير رايتس ووتش أربعة أدوات رقمية. الأولى تعتمد على تتبع الهواتف الخلوية لمراقبة إجلاء الفلسطينيين فى شمال غزة بعد أن أمر جيش الاحتلال السكان بالمغادرة فى بداية الحرب.

تقرير هيومان رايتس ووتش
تقرير هيومان رايتس ووتش


وكانت الثانية أداة جوسبل  The Gospel والتى تعد قوائم بالمبانى والأهداف الهيكلية التى سيتم مهاجمتها، والثالثة أداة لافندر Lavandar التى تمنح تصنيفات للأشخاص فى غزة فيما يعتلق باحتمال انتمائهم لجماعات المقاومة، ومن ثم تصنيفهم كأهداف عسكرية. أما الأداة الرابعة، فتسمى أين أبى Where's my Daddy، والتى تحدد متى سيكون الهدف فى مكان معين.

كما كشف تحقيق لوكالة أسوشيتدبرس الأمريكية فى فبراير الماضى أن الجيش الإسرائيلى استخدم الذكاء الاصطناعى لفحص كميات هائلة من المعلومات الاستخباراتية والاتصالات التى تم اعتراضها وعمليات المراقبة لرصد أى سلوك أو كلام يثير شكوكه.

وبشكل عام، كثفت إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023، وبشكل هائل استخدامها لتقنيات مايكروسوفت وOpen AI، الشركة المنتجة لـ Chat GPT. وكشفت تحقيق أسوشيتبرس، الذى استند إلى وثائق وبيانات ومقابلات مع مسئولين إسرائيليين سابقين وحاليين، عن أخطاء فى اختيار أنظمة الذكاء الاصطناعى التى تستخدمها إسرائيل للأهداف، سواء بسبب بيانات خاطئة أو خوارزميات معيبة.


حذر من الاندفاع نحو استخدام الـ AI فى الحرب

مع استخدام الذكاء الاصطناعى فى الحروب، أبدى كثيرون مخاوف من أن استخدام هذه التقنيات الحديثة يجعل أى تصعيد عسكرى خارج نطاق السيطرة.

وقد ناقشت الصين والولايات المتحدة، اتفاقا لعدم أتمتة عمليات القيادة والتحكم النووى لديهما، وكان السبب بسيط فى ذلك، بحسب تقرير لوكالة بلومبرج فى يونيو الماضى، وهو أن الدولتين لديهنا دوافع قوية كى لا تتخليا عن السيطرة على الأسلحة. لذلك توقع التقرير أن تقوم الدول الكبرى باستغلال الإمكانيات العسكرية للذكاء الاصطناعى بقوة، مع محاولة إبقاء القرارات الأكثر أهمية فى أيدى بشرية.

التوقع بالحرب ورسم سيناريوهات السلام

وبعيدا عن استخدام تلك التكنولوجيا الثورية فى ساحة المعركة، فإن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يُقلل من خطر التصعيد المفاجئ، من خلال مساعدة صناع القرار على سبر أغوار الأزمات والحروب. فعلى سبيل المثال، تعتقد وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن أدوات الاستخبارات والتحليل المدعمة بالذكاء الاصطناعي يُمكن أن تُساعد البشر على التحقق من المعلومات المُربكة أو المجزأة المتعلقة باستعدادات العدو للحرب، أو حتى معرفة ما إذا كان هجوم صاروخى مرتقبًا قيد التنفيذ.

هذا ليس خيالًا علميًا، وفقا لبلومبرج،  فقد أفادت التقارير أن الذكاء الاصطناعى ساعد محللي الاستخبارات الأمريكية على كشف الغزو الروسى لأوكرانيا فى فبراير 2022.

على الجانب الآخر، يطرح البعض إمكانية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعى فى بحث فرص السلام بين الدول المتحاربة. ففى فبراير الماضى، أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو أحد المراكز البحثية المرموقة فى الولايات المتحدة، دراسة معمقة عن إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعى فى رسم سيناريوهات السلام بين روسيا وأوكرانيا.

ذكر التقرير أن 60% من الحروب تنتهى بتسوية، ومن ثم تظل هناك إمكانية لإنهاء حرب أوكرانيا بتسوية تفاوضية.

ورغم الاعتراف بأن مفاوضات الحرب معقدة بطبيعتها وتتميز بعدم اليقين وتضارب المصالح والمتغييرات المتغيرة، فإن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يساعد فى تجاوز هذا التعقيد، وتعتمد فعاليته على التطبيق السليم له.

وطرحت الدراسة إمكانية استخدام نماذج لغوية كبيرة LLMs، وهى نماذج تعليم عميق كبيرة جدا مدربة مسبقاً على كميات هائلة من البيانات، وتقنيات مثل "التوليد المدعوم بالاسترجاع" RAG  التى تجمع بين استرجاع المعلومات الخارجية ذات الصلة والاستجابات التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعى، لتحليل بيانات تاريخية حول اتفاقيات السلام.

وأظهرت النتائج أن القضايا الرئيسية في المفاوضات تشمل السيطرة الإقليمية، وضمانات الأمن، وعلاقة أوكرانيا المستقبلية بحلف الناتو.

ومع ذلك، شددت الدراسة على أن الذكاء الاصطناعى يجب أن يُستخدم كأداة مساعدة، وليس بديلاً عن الحكم الاستراتيجى البشرى، وقالت فى حين يمكن للذكاء الاصطناعى تقديم رؤى وتحليل سيناريوهات، إلا أن القرار النهائى فى المفاوضات يجب أن يعتمد على الخبرة البشرية والفهم العميق للواقع السياسى والعسكرى.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة