"عندما تتغلب الإنسانية".. هيرون فرناندو طبيب بريطاني فى حوار لـ"اليوم السابع":قررت المغامرة والذهاب لمستشفيات غزة ولم أبلغ أسرتى..كنا نجرى عمليات جراحية لمصابين دون مسكنات أو بنج وننام على الأرض لاكتظاظ المرضى

الأربعاء، 05 مارس 2025 08:00 م
"عندما تتغلب الإنسانية".. هيرون فرناندو طبيب بريطاني فى حوار لـ"اليوم السابع":قررت المغامرة والذهاب لمستشفيات غزة ولم أبلغ أسرتى..كنا نجرى عمليات جراحية لمصابين دون مسكنات أو بنج وننام على الأرض لاكتظاظ المرضى هيرون فرناندو
حوار / أحمد عرفة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء


 

<< كان علينا أن نجري العمليات بأضواء صغيرة
<< لم نتمكن من النوم إلا قليلا بسبب صوت الطائرات والقصف المستمر ولم يُسمح لنا بالخروج
<< لا يوجد مضادات حيوية ولا صرف صحي مناسب وهذه بيئة خصبة لانتشار الأمراض
<< الهجوم الإسرائيلي على مستشفى شهداء الأقصى أثناء تواجدنا كان مخيفا ولن أنساه أبدا
<< أجريت ضماد للجروح في ممرات المستشفى
<< أصعب اللحظات عندما كننا نختار من ننقذه من آلاف الجرحى
 

قد نتفهم تضحيات الطواقم الطبية الفلسطينية في غزة على مدار الـ15 شهرا، الذين رسموا بأرواحهم جسرا لتخفيف آلام الجرحى من قصف الاحتلال، مما تسبب في استشهاد 1155 منهم ، بجانب إصابة 3500، واعتقال 400 آخرين، فكل يوم بل كل ساعة كنا نسمع بطولة تدهش كل من يراها ويسمعها، وفي ذات الوقت كان هناك الوفود الطبية العربية والأجنبية الذين ضربوا أروع الأمثلة على التضامن مع زملائهم، لم ترهبهم المتفجرات الـ2000 طن الأمريكية التي ضربت لها إسرائيل مدن القطاع، وكذلك القصف المتكرر للمستشفيات، وجعلوا حياتهم رخيصة أمام إنقاذ هذا الشعب المكلوم الذي تعرض لأبشع حرب إبادة في العصر الحديث.

 

اقرأ أيضا:
 

في توابيت سوداء ودون مظاهر احتفال.. حماس تسلم رفات 4 محتجزين إسرائيليين للصليب الأحمر.. الحركة تتهم إسرائيل بقصف أماكن احتجازهم.. وصورة رئيس وزراء الاحتلال حاضرة على لافتة كتب عليها قتلهم "مجرم الحرب نتنياهو"

 

بطل حوارنا هو طبيب بريطاني، قطع 2464 ميلا من بلاده حتى أصعب منطقة في العالم خلال الفترة الراهنة، وصفها بأنها الرحلة الأصعب في حياته، بل إنه لم يخبر بعد أفراد أسرته عن الرحلة حتى لا تتأثر حياتهم بالقلق عليه، لم يجمعه مع أهل غزة لا الدين أو اللغة أو العروبة، ولكن جمعه بهم الإنسانية وهي فوق كل شيء، حينها تتبخر كل التحديات والمصاعب ويصبح الإنسان هو العنصر الأهم الذي يتحكم في تفكيرنا، فهذا ما سيطر على عقل الطبيب هيرون فرناندو خلال رحلته إلى القطاع لعلاج الجرحى، لم يخش على حياته رغم ما كان يراه يوميا على القنوات من مجازر ودمار لا يتخيله عقل ولكن كان الأهم هو تقديم رسالته ليس فقد لشعبه بل للإنسان أيا كان مكانه.

 

اقرأ أيضا:
 

الأردن على العهد: لا تهجير ولا سلام دون حل الدولتين.. المملكة تواصل جهودها مع القاهرة لدعم غزة.. الملك عبدالله لوفد الكونجرس: على واشنطن دفع جهود التهدئة.. وعلينا ضمان استدامة وقف إطلاق النار

 

هيرون فرناندو، جاء من بلاد تدعم سياساتها الخارجية الاحتلال، فبريطانيا أحد الدول مدت إسرائيل بالأسلحة خلال تلك الحرب، وفقا لما كشفه التقرير الصادر عن اللجنة البريطانية الفلسطينية في 30 يناير الماضي، الذي أكد رغم عدم ارتكاب لندن أعمال عنف مباشرة في القطاع إلا أن لها دورا مؤثرا في سقوط الآلاف من المدنيين عبر استخدام السلاح البريطاني والقواعد العسكرية البريطانية، عبر تعاون شمل السلاح واستخدام القواعد العسكرية البريطانية وخاصة قاعدة أكروتيري التابعة لسلاح الجو الملكي (RAF) في جزيرة قبرص، وقاعدة مارهام الجوية الملكية في مقاطعة نورفولك في إنجلترا.

الطبيب البريطاني شاهد إعلاما غربيا انحاز في بداية الحرب إلى الرواية الإسرائيلية، إلا أن الإعلام العربي استطاع أن يفند أكاذيب الاحتلال ويكشف حجم المذبحة التي ترتكبها تل أبيب، سمع هيرون استغاثات زملائه سواء الدكتور محمد أبو سلمية مدير مجمع الشفاء الطبي قبل اقتحام المستشفى وتدميره، وكذلك زميله ناهض أبو طعيمة مدير مجمع ناصر الطبي الذي وجه نفس الاستغاثة قبل ضرب المستشفى واعتقاله، بافضافة إلى الدكتور حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان وغيرهم، لم يفكر كثيرا واتخذ القرار بضرورة الذهاب لغزة والوقوف مع زملائه، كان لنا معه حوارا حول تلك الرحلة التي تعد الأصعب في حياته وإلى نص الحوار..

في البداية عرفنا بنفسك دكتور هيرون فرناندو ؟

أنا طبيب مسالك بولية ولدي اهتمام خاص بسرطان البروستاتا وحصوات الكلى، كما أنني جراح إنساني.

 

الدكتور هيرون فرناندو
الدكتور هيرون فرناندو

 

أنت طبيب بريطاني.. كيف تنظر إلى الدعم الغربي لإسرائيل في قتل الفلسطينيين وكيف تواجهه ذلك؟

شعرت أن السياسة الأمريكية والغربية عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط كانت دائمًا منافقة وازدواجية المعايير، وأيديهم مغطاة بالدماء.

 

كيف تمكنت من دخول غزة أثناء الحرب ومع إغلاق الاحتلال للمعابر؟

استطعت الدخول إلى القطاع عبر الأردن بصعوبة بالغة، وهذه أصعب رحلة أخوضها من أجل إنقاذ الجرحى في غزة.

ألم تكن خائفاً من الموت خلال رحلتك إلى غزة التى تتعرض لحرب إبادة جماعية؟

لا، لم أشعر قط بالخوف من الموت، إذا كان هناك مكان واحد أود أن أموت فيه، فهو بالتأكيد أرض غزة المباركة.

هل أخبرتك عائلتك بهذه الرحلة قبل القيام بها؟

لم أخبر عائلتي إلا أختي فقط.

لماذا لم تخبر كل عائلتك؟

لم أكن أريد أن أزعج والدتي التي تعاني من مشاكل في القلب.

ما هو رد فعل عائلتك عندما علموا بعد ذلك أنك ذهبت إلى غزة ؟

أمي لا تزال لا تعرف وأنا أحب أن أبقي الأمر على هذا النحو.

هل شعرت يوماً بالخوف من أن تصيبك صواريخ الاحتلال أثناء وجودك في غزة؟

نعم، إنه دائمًا في أذهاننا ولكنني لم أسمح لذلك بالتأثير علي والحمد لله أنا أؤمن بالله ورحمته.

هل هناك أطباء أوروبيون أو أمريكيون مثلك كان لديهم الشغف لمساعدة زملائهم في غزة؟

نعم بالطبع الكثير منهم الحمد لله كانوا معنا في غزة يساعدون زملائهم في المستشفيات.

هل كان هناك أحد رافقك في تلك الرحلة؟

نعم ذهبنا كمجموعة ضمن وفد منظمة الصحة العالمية إلى القطاع.

صف لنا المشهد الذي رأيته في غزة خلال عملك في مستشفيات القطاع؟

ما شاهدته هو الوحشية المطلقة للجيش الإسرائيلي، حيث استهداف متعمد بكل أنواع الأسلحة للمدنيين من شيوخ ونساء وأطفال، وأعداد الجرحى والشهداء كبيرة للغاية.

ما هي نوعية الإصابات التي كنت تتعامل معها في مستشفيات غزة؟

الإصابات غالبًا ما تكون من نوع الإعدام، وسوء التغذية الحاد بين الأطفال والمدنيين، وكان هناك حظر على تناول الأدوية داخل غزة، مما جعل الأمر أسوأ، كل جرح الإصابات كان ملتهبا وكان القيح يخرج بمن أجساد المصابين.

هيرون يحمل مثانة جراحية مع حامل إبرة بسبب عدم وجود حامل للمشرط، وهذا مقبض جراحي مؤقت
هيرون يحمل مثانة جراحية مع حامل إبرة بسبب عدم وجود حامل للمشرط، وهذا مقبض جراحي مؤقت

 

ما هو معدل انتشار المرض في غزة؟

تكثر حالات الإصابة بالأمراض المعدية التي تتردد بشكل مستمر وبأعداد كبيرة للغاية على المنظومة الصحية المتهالكة.

هل تعرضت لحصار أو اقتحام لمستشفى من قبل قوات الاحتلال؟

نعم.. حدث ذلك في عدد من المستشفيات التي تواجد فيها لعلاج المصابين، وكثيرًا ما كنا نفتقر إلى معظم الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية، ولم نتمكن من النوم إلا قليلا بسبب صوت الطائرات بدون طيار والقصف المستمر، ولم يُسمح لنا بالخروج، وكان هناك ندرة من الطعام.

الطريقة التي يضطر بها الطبيب هيرون بها أحيانًا إلى تعقيم المعدات نظرًا لعدم وجود مستلزمات
الطريقة التي يضطر بها الطبيب هيرون بها أحيانًا إلى تعقيم المعدات نظرًا لعدم وجود مستلزمات

 

كيف كنت تعمل مع زملائك الأطباء في علاج المصابين مع نقص المستلزمات الطبية؟

كان علينا أن نجري العمليات بأضواء صغيرة ، ولم يكن هناك وقت لفرك الماء ولكن تنظيف الأيدي بالكحول والنظافة، كل جرح ملتهب كنا نتعامل معه بأقل الإمكانيات المتاحة، إنها وحشية تامة كنت أراها يوميا خلال تواجدي بالقطاع.

كيف ساهم نقص المستلزمات الطبية في تفاقم الأوضاع بالمنظومة الصحية؟

لقد أدت الحرب مع نقص الإمكانيات إلى انتشار العدوى بين المرضى خاصة الأمراض المعدية، وكما قلت فإن كل جرح يصاب بالعدوى ويؤدي في النهاية إلى الوفاة أو البتر، وهذا زاد من أعداد الوفيات بشكل كبير داخل القطاع بين المرضى والمصابين، خاصة أنه لا يوجد مضادات حيوية ولا صرف صحي مناسب وهذه بيئة خصبة لانتشار الأمراض.

كيف كان استهداف الاحتلال المنظومة الصحية بغزة متعمدا وممنهجا؟

إسرائيل استهدفت عمدًا المرافق الصحية وهي تعلم أنه لا يوجد مقاتلون من حماس هناك، ومع ذلك فقد قصفت مستشفى الأقصى ومستشفى كمال عدوان والعديد من المستشفيات، و70٪ من البنية التحتية للمستشفيات أصبحت خارج الاستخدام بسبب هذه الاستهدافات، وما شهدناه من جرائم أمر لا يصدقه عقل.

هل شهدت شخصيا إصابة أو وفاة لأطباء في غزة أثناء عملهم؟

نعم، لم يستشهد سوى عدد قليل نتيجة لإصابات من نوع الإعدام، استهدف الاحتلال عمدًا الأطباء الأبرياء والعاملين في مجال الرعاية الصحية واعتقل عدد آخر بجانب إصابة كثيرين.

ما هي أصعب لحظة مررت بها أثناء وجودك في غزة؟

إن مشاهدة أعداد كبيرة من الضحايا ومحاولة معرفة من يجب إنقاذه من آلاف الجرحى واختيار من ننقذه يعد موقفًا صعبًا للغاية ويشكل عبئًا عاطفيًا علينا جميعًا.

جرحى عالجهم هيرون فرناندو في غزة
جرحى عالجهم هيرون فرناندو في غزة

 

كيف تعاملت مع هذا الأمر؟

لقد فعلنا ذلك وعالجنا أكبر عدد من الجرحى بفضل الله، لقد كان موقفًا صعبًا للغاية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأطفال فلن ننسى هذا أبدًا صراخهم وآلامهم داخل المستشفيات.

 

ما هي أبرز المشاهد التي لن تنساها أبدًا في غزة؟

الهجوم الإسرائيلي على مستشفى شهداء الأقصى أثناء تواجدنا هناك كان مخيفا، كما كنا نشهد نقصًا في معظم الاحتياجات الأساسية للإنسان من طعام ومستلزمات الحياة والنوم وغيرها من مقومات الحياة.

ما هو المشهد الذي لن تنساه خلال عملك في غزة؟

رؤية الأشخاص الذين يعانون من الإصابات ويقومون غالبًا بإجراء العمليات الجراحية دون مسكنات للألم، هو أمر لن نتمكن أبدًا من فهمه حتى الآن، حيث كان يتم إجراء عمليات جراحية بدون بنج أو مسكنات وهو أمر صعب للغاية على المريض.

هل كانت المستشفيات تفتقر إلى أدوات التخدير واضطررتم إلى إجراء عمليات جراحية دون تخدير؟

نعم، في كثير من الأحيان يكون الحد الأدنى من التخدير.

كيف كان الطاقم الطبي يبقى في المستشفيات في ظل نقص الأسرة الطبية واكتظاظ المستشفيات بالنازحين والمرضى؟

كنا ننام على الأرض حيث لا يوجد مكان آخر للنوم والمستشفى مكتظ، على سبيل المثال، كان لدى مستشفى شهداء الأقصى 15 ألف إنسان يعيشون داخلها وهو عدد كبير للغاية أكبر من الطاقة الاستيعابية للمكان.

هل كان المرضى يتمكنون من الوصول إلى المستشفيات أم استشهدوا قبل الوصول إليها؟

في أغلب الأحيان تم منع سيارات الإسعاف والهجوم عليها ونتيجة لذلك يموتون قبل الوصول إلى المستشفى.

كيف تنظر إلى تضحيات أطباء غزة؟

إن التضحيات التي قدمها أطباء غزة هي شيء لن نشهده في حياتنا، فقد عملوا بلا كلل لإنقاذ المدنيين الجرحى في كثير من الأحيان دون أن يتقاضوا رواتبهم لمدة 15 شهرًا وفي بعض الأحيان دون طعام أو ماء، وكل ما شهدناه كان أسوأ من الهولوكوست الذي نعرفه.

هل كنت تجري بعض عمليات جراحية أحيانا في ممرات المستشفى أو على الأرض؟

نعم بالفعل أجريت ضماد للجروح والإجراءات البسيطة الخاصة بالإسعافات الأولية ولكن لم نقم بإجراءات طبية كبرى في الممر.

 

ما هي أبرز المخاطر التي كانت تواجه الأطباء بشكل عام خلال العدوان على غزة إلى جانب نقص الإمدادات والأدوية؟

السلامة، لأن جيش الدفاع الإسرائيلي لا يميز بين أحد، ويقتل كل طبيب في طريقه دون أي تمييز، فهذا هو الواقع الذي رأيته بعيني.

كيف يمكن إنعاش المنظومة الصحية في غزة بعد توقف الحرب؟

غزة بحاجة إلى مساهمة المنظمات المتعددة والمنظمات غير الحكومية، ونحتاج إلى مليارات الدولارات لإعادة بناء المنظومة الصحية وإعادة عمل تلك المستشفيات التي استهدفتها إسرائيل.

انت تنتمى إلى بلد دعمت إسرائيل خلال الحرب.. كيف ترى الموقف البريطاني تجاه العدوان؟

جرائم الحرب التي ارتكبتها بريطانيا من دعم لإسرائيل معروضة في مترو لندن الآن.

كيف ترى تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المحرضة على التهجير القسري للفلسطينيين؟

هذا أمر هزلي، لا يمكن قبوله أو فقط الحديث عنه - ويستطرد ساخرا - لذا خذ كل ما قاله مع قليل من الملح.

هل تتوقع أن يكون لتلك التصريحات التحريضية تداعيات على الولايات المتحدة؟

التهجير القسري الذي تحدث عنه ترامب لن يحدث ذلك أبدًا، وستكون هناك حرب واسعة النطاق في أمريكا وفي كل مكان، وستكون نهاية أمريكا.

هل هناك رسالة تود أن توجهها للمجتمع الدولى لدعم غزة؟

كلمتي الأخيرة، من فضلكم لا تنسوا هؤلاء الأطباء والممرضين الذين ضحوا بحياتهم في غزة، يجب أن نتذكر ذلك في ظل محرقة غزة التي ارتكبتها إسرائيل، من فضلكم استمروا في النضال من أجل حرية وعدالة شعب غزة، من فضلكم أتوسل إلى المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل للإفراج عن الدكتور أبو صفية وبقية الطاقم الطبي في مستشفى كمال عدوان، ويرجى تقديم الدعم المالي وبكل الطرق لبناء الرعاية الصحية في غزة والحياة في غزة، ويجب علينا تعليم الأطفال الذين فقدوا 15 شهرًا من الدراسة.







مشاركة



الموضوعات المتعلقة




الرجوع الى أعلى الصفحة