مضي الشهر الكريم واليوم نحتفل بعيد الفطر المبارك سريعا، كما تمضي كل الأشياء الجميلة، وكما تهرب الأيام من بين أيدينا دون أن نشعر، ويتركنا رمضان محمّلين بالشوق إليه، وكأننا لم نرتوِ بعد من نوره وروحانياته، ولم نكتفِ من تلك اللحظات النقية التي تُعيد ترتيب أرواحنا. نودّعه كما يودّع العاشق محبوبه، بقلب مُثقل بالحزن وأمل خافت في لقاء جديد
في مثل هذه الأيام، كانت البيوت المصرية تعيش حالة استثنائية من الدفء والبهجة، استعداداً لطقوس العيد التي لم تكن مجرد احتفال، بل كانت إعلاناً عن انتصار الفرح رغم مشقة الأيام. كان المنزل يتحول إلى ورشة عمل عامرة بالحياة، حيث يجتمع الجميع حول "طاولة الكعك" وكأنهم يؤسسون لذكرى جديدة تضاف إلى أرشيف الذكريات التي لا تموت
أتذكر والدتي، وهي تستعد لهذه الأيام وكأنها على موعد مع معركة لا تقبل الهزيمة. تبدأ بالتجهيز قبلها بأيام، تشتري الدقيق والسمن والسكر، وتستعير ماكينة البسكويت من الجيران، تلك الأداة التي كانت تمرّ على أكثر من بيت في شارعنا، كأنها جزء من طقس جماعي يوحّد الجميع في بهجة واحدة. لم تكن مجرد صناعة حلوى، بل كان طقساً يحمل في طياته معاني العطاء والانتماء والمشاركة
أما والدي، فكان يسلم والدتي المال لتشتري لنا ملابس العيد، ذلك الطقس الذي كنا ننتظره بلهفة لا توصف. لم يكن الأمر متعلقاً بجودة الملابس أو ثمنها، بل بتلك اللحظة التي نرتدي فيها الجديد، ونشعر وكأننا دخلنا عاماً جديداً لا يوماً جديداً فقط. كان الأمر أشبه بسحر خفي، يمنحنا إحساساً بالبهجة لا يعوضه شيء
لكن، كما تتغير الفصول، تغيّرت التفاصيل. لم تعد البيوت تضج بالحياة في ليالي تجهيز الكعك، ولم تعد الشوارع تحمل تلك الرائحة التي كانت بمثابة إعلان غير رسمي عن قدوم العيد. أصبح كل شيء سريعاً، بلا روح، بلا دفء، كأن الزمن يصرّ على أن ينتزع منّا كل ما كان يمنحنا السعادة الحقيقية
مهما تغيرت العادات، ومهما اختفت بعض التفاصيل التي شكلت طفولتنا، يظل العيد موعداً متجدداً مع الفرح. نتمسك به كما يتمسك الغريق بقشة، ليس فقط لأنه عيد، بل لأنه نافذتنا الصغيرة نحو البهجة التي نحتاجها وسط ضغوط الحياة
قد لا تعود رائحة الكعك تملأ الشوارع، وقد لا نشعر بنفس اللهفة لملابس العيد كما كنا صغاراً، لكن العيد ليس مجرد طقوس، بل إحساس نخلقه بداخلنا. إحساس بالفرحة، بالتفاؤل، بالأمل في غدٍ أجمل، بغض النظر عن كل ما تغيّر من حولنا
كل عام وأنتم بخير، أعاده الله علينا وعليكم بفرحة لا يشوبها نقصان، وسعادة لا تعرف طريقاً للرحيل