نجح الطالب جمال عبدالناصر فى شهادة الثانوية العامة عام 1936، فتقدم بأوراقه للالتحاق بالكلية الحربية، وأجرت له اللجنة فحصا طبيا نجح فيه، لكنه لم ينجح فى امتحان الهيئة، وفقا لما يذكره الكاتب السويسرى جورج فوشيه فى كتابه «جمال عبدالناصر فى طريق الثورة»، ترجمة «نجدة هاجر» و«سعيد الغز»، والصادر فى بيروت عام 1960.
يذكر «فوشيه»، أنه فى اليوم المحدد لامتحان الهيئة اجتمعت اللجنة ووقف أمامها لتسأله، وقلب رئيسها ملفا مملوء بالأوراق، ولاحظ جمال أن الملف يحمل اسمه، وبدأ رئيس اللجنة يسأله: ما اسمك؟.. أجاب: جمال عبدالناصر حسين.. ماذا يعمل أبوك؟.. أجاب: موظف بريد.. سأله: موظف كبير.. أجاب: لا، موظف صغير.. سأله: من أين أنت؟.. أجاب: من بنى مر، منطقة أسيوط.. سأله: إذا أنتم فلاحون؟.. أجاب: نعم.. سأله: ألم يكن أحد أفراد عائلتك ضابطا؟.. أجاب: لا.. سأله: لماذا إذن تريد أن تصبح ضابطا؟.. أجاب: لأقف نفسى على خدمة الوطن.. سأله: هل عندكم أملاك؟.. أجاب: كلا، فنحن من أبناء الشعب.. سأله: هل أوصى أحد بك؟.. أجاب : تقصد هل تسندنى واسطة ؟ كلا.. سأله: هل اشتركت فى مظاهرات سنة 1935؟.. أجاب: نعم.. قال له رئيس اللجنة: طيب يمكنك أن تنسحب.
يؤكد «فوشيه»، أن جمال ذهب، وبعد أيام عرف أنه لم ينجح فى اختبار الهيئة وبالتالى لم يتم قبوله، لأنه حفيد فلاح من بنى مر، وابن موظف بريد بسيط، فكانت وجهته بعد ذلك إلى كلية الحقوق جامعة «فؤاد الأول» فى ديسمبر سنة 1936، وظل طالبا فيها مدة ستة أشهر، يتلقى المحاضرات فى مدرجاتها لكن على الرغم منه، وحاول فى نفس الوقت أن يلتحق بكلية البوليس، لكن لم يوفق أيضا، استنادا إلى التقرير الأمنى الذى وضعه قسم شرطة الجمالية بالقاهرة، وأورد فيه أن جمال عضو فى الحزب الاشتراكى الذى يتزعمه أحمد حسين، وأنه نظم مظاهرات طلابية وقت أن كان طالبا فى مدرسة النهضة الثانوية، أى أنه لا يقدم الضمانات الضرورية فى الانتظام والطاعة السياسية.
هكذا استمر جمال عبدالناصر طالبا فى كلية الحقوق، فى نفس الوقت الذى قبلت فيه الكلية الحربية، واحد وخمسين تلميذا، بدأ تدريبهم فى يناير 1937، حسبما يؤكد «فوشيه»، مضيفا: «أعلنت وزارة الحربية أنها ستجرى دورة ثانية للدخول إلى الكلية الحربية، فعزم جمال أن يعيد الكرة، لكن كان يخشى أن يعرقل طموحه تقرير البوليس السياسى، فقرر أن يستغل كل ما لديه من جرأة، وذهب ليقابل وكيل الكلية الحربية ورئيس لجنة القبول اللواء إبراهيم خيرى فى بيته.. يذكر «فوشيه» أنه قدم بطاقته الشخصية إلى الخادم الذى رفعها إلى الباشا، ثم أدخله قاعة الاستقبال فسأله إبراهيم خيرى عما يريد، فأخبره أنه يريد الالتحاق بالكلية الحربية، وأنه سبق وأن تقدم ونجح فى الكشف الطبى لكنه لم ينجح فى كشف الهيئة، وبسبب ذلك التحق بكلية الحقوق، ويريد تدعيما منه فى تقديمه هذه المرة، يؤكد «فوشيه»، أن اللواء خيرى قال له: تقدم إلى الامتحان، وهكذا تقدم مرة ثانية، ونجح.
يؤكد «فوشيه»: «قليلون الذين يعرفون هذه الحادثة، والرواية الشائعة أن جمال قُبل فى الكلية الحربية فى المرة الثانية لأن شبح الحرب العالمية الثانية كان يقترب، ولأن الجيش المصرى كان بحاجة ماسة إلى ضباط، والواقع أن الحاجة لم تكن ملحة إلى هذا الحد عندما قبل جمال فى مارس 1937، ولذلك كان من المحتمل أيضا رفضه هذه المرة لولا حصوله على ثقة اللواء إبراهيم خيرى الذى استقال من الجيش سنة 1939 نتيجة خلافات بينه وبين القصر ورجال الحكم وقتئذ.
يذكر «فوشيه»، أن جمال عبدالناصر دخل الكلية الحربية فى يوم 17 مارس، مثل هذا اليوم، 1937، وبعد خمسة أشهر اطلع خلالها على مبادئ الحياة العسكرية ثم امتحن لمعرفة مقدار احتماله لها من الناحيتين المعنوية والرياضية، وعلى أثر ذلك أعلن مجلس الكلية أن الطالب جمال يصلح للحياة العسكرية.
فى سنة «1937 - 1938» كان الجيش المصرى فى حاجة ماسة إلى ضباط جدد لتنظيم الدفعات الجديدة من الجنود، ولذلك تخرج جمال بعد ستة عشر شهرا فقط من دخوله الكلية، ونجح فى الامتحانات ونال 71 % من مجموع العلامات «الدرجات»، موزعة على 68 % فى التاريخ العسكرى وهى المادة التى كان يعشقها، و72 % فى التنظيم الوطنى، و81 % فى الرياضيات والعلوم و95 % فى التنظيم الإدارى.