د. محمد عبدالرحمن الضوينى

شهر رمضان وفضيلة كف الأذى

السبت، 15 مارس 2025 03:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه، ومن والاه، وبعد.. فإن دعوة الإسلام دعوةٌ إلى الفضائل، وإتمامِ مكارم الأخلاق، يظهر ذلك جليًا فى اهتمامه البالغ بالأخلاق الاجتماعية واعتبارها وقاية، وجاءت تعصم النفوس عن شهواتها، وتردها عن غيها.


ومن مظاهر اهتمام الإسلام بالأخلاق الاجتماعية دعوته إلى «كف الأذى»، واعتباره أساسًا للتعايش السلمى بين الأفراد والمجتمعات، ودليلًا على إيمان العبد وعلامة على إسلامه، قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِى جاره»،«أخرجه البخارى».وقال أيضًا: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، «أخرجه البخارى»، فليس بمسلم حقيقى من لم يكف أذاه عن خلق الله.


بل عدَّهُ بابًا من أبواب الخير وصدقة يتصدق بها المرء على نفسه، دل على ذلك إجابة النبى عندما سأله ‌أبوذر رضى الله عنه أى العمل أفضل؟ وذكر له النبى جملة من خصال الخير يحثه على العمل بها، فقال أبوذر: فإن لم أَسْتَطِعْ، قال: «كُفَّ أَذَاكَ عَنِ الناس فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصدَّقُ بها عن نَفْسِكَ»،«أخرجه البخارى»،وفى رواية مسلم: «تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فإنَّها صَدَقَةٌ مِنْكَ علَى نَفْسِكَ».


وقد نهى الإسلام عن الإيذاء، وعدَّهُ من السُّلوكيات المُنافية لقيم الفضيلة والمروءة، بسبب ما يترتب عليه من الظلم والبغض والكراهية، وتهديد استقرار المجتمعات، قال تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا»، «الأحزاب: 58».


وقال: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ»، «أخرجه الترمذى»، بل إن الشرع نهى عن الإيذاء ولو كان الهدف نبيلًا، «جاء رجلٌ يتخطّى رقابَ النّاس يومَ الجمعة والنبى يخطب، فقال له: «اجلِس فقد آذيت»، «أخرجه أبوداود».


والإيذاء كما يكون بالقول كالسب والقذف، والتنابز بالألقاب، والغيبة والنميمة، يكون بالفعل كالاعتداء الجسدى والمن فى الصدقات، قال تعالى: «قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ »، «البقرة:263» أى: أنه سبحانه غَنى عن كل صدقة يتبعها اعتداء، وأن كلمة المعروف خير عنده من صدقة جرَّأت صاحبها على المحتاج فأوقع به الإيذاء.


النفوس فى شهر رمضان تترفع عن الإيذاء، لأن الصوم يعمل على تقوية إرادة المسلم، ويُعلّمه القدرة على ضبط نفسه، ومقاومة رغباتها فى إلحاق الأذى بالآخرين، ويغرس فى نفس الصائم قيمة الصبر على الإيذاء، فعن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما، أن النبى قال: «المؤمنُ الَّذى يخالطُ النَّاسَ ويصبرُ على أذاهم أعظمُ أجرًا منَ المؤمنِ الَّذى لاَ يخالطُ النَّاسَ ولاَ يصبرُ على أذاهم»، «أخرجه ابن ماجه».


ومن أهم مقاصد الصوم تحقيق التقوى، ذلكم المقصد الذى ذيلت به آية الصيام فى قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، «البقر: 183».


ومن الخطأ الذى يقع فيه الكثير قصر معنى التقوى على باب العبادات فقط دون بقية الجوانب السلوكة والأخلاقية، مع أن معنى «التقوى» فى تراثنا مرتبط أشد الارتباط وأوثقه بالجانب العملى فى الحياة من فعل الخير وتجنب إيذاء الآخرين، وقد قيلَ للنَّبى: «يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذى جيرانَها بِلِسانِها، قال: هى فى النَّارِ، وقيل: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِها وصَلاتِها، وإنَّها تَتَصدَّقُ وَلا تُؤذى جيرانَها بِلسانِها؟ قال:هيَ فى الجنَّةِ)، «أخرجه أحمد».


وختامًا.. فكف الأذى ليس مجرد تصرف أخلاقى بل هو واجب دينى وإنسانى، وشهر رمضان فرصة للارتقاء بأخلاقنا، ولنكف عن أذى الآخرين وإلحاق الضرر بهم نسثمره بما يحافظ على بقاء العلاقات بين أفراد المجتمع نقية لا يعكر صفوها كدر ولا ضغينة.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة