هذا هو العدد رقم خمسة آلاف من الإصدار الورقى لـ«اليوم السابع»، وقد دعتنى الكاتبة الصحفية علا الشافعى رئيس تحرير الصحيفة والموقع الإلكترونى، لكى أكتب بضع كلمات احتفالًا بتلك المسيرة الطويلة للإصدار، والحقيقة أننى ما إن تلقيت الدعوة حتى تذكرت أربعة أساتذة من الشركاء الأصليين للتجربة الورقية.
الأول هو الراحل النبيل الكاتب الصحفى محمود عوض، والثانى هو الأستاذ سعيد الشحات، مدير عام التحرير لـ«اليوم السابع» منذ نشأتها الأولى، والثالث هو الدكتور أحمد محمود، الموهوب الأول فى عالم الإخراج الصحفى فى مصر، والرابع هو المنتج المبدع ورجل الأعمال الأستاذ وليد مصطفى.
كنت أنا خامس هؤلاء، وأعترف أننى كنت الأقل حماسة للإصدار الورقى، إذ ندهتنى نداهة الإعلام الرقمى، واختزلت كل أحلامى المهنية فى إطلاق النسخة الإلكترونية لـ«اليوم السابع»، بينما كان هذا الرباعى المحترف الذى يشاركنى المسيرة هو حجر الأساس للتجربة الورقية منذ لحظة الميلاد، ولكل منهم حكاية.
لجأنا للأستاذ محمود عوض، باحثين عن منارة تهدى سياستنا التحريرية الجديدة إلى منطقة نتفرد بها عن إصدارات ورقية مرموقة سبقتنا، وقد كان للإبحار فى عقل محمود عوض وتجربته أثر كبير فى ضبط إيقاع الإصدار الورقى، لكى لا نقلد ما سبقنا، أو ننحرف إلى دوامات الإثارة الصحفية، حيث راج هذا النهج الإثارى لسنوات قبل أن تصدر «اليوم السابع».
تعلمنا من محمود عوض، أن الصحافة مثل أدوية المضادات الحيوية، فإذا كان المضاد الحيوى يحارب البكتيريا والفيروسات فى الجسد المريض، فإن الصحافة كذلك تحارب بكتيريا التخلف، وفيروسات الجهل والإفساد فى المجتمعات، ولذا كانت القاعدة الأولى فى السياسة التحريرية أن الإصدار الجديد لا يرفع سيفه على الناس قهرًا، لكنه يؤلم بعض الناس أحيانًا بحثًا عن حل، فكانت «اليوم السابع»، ولا تزال، لا تلقى بالاتهامات على الناس زورًا، وتبحث عن الرأى الآخر، والمعلومة المضادة لما لدينا من معلومات، وتربى محرروها على أن رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرنا خطأ يحتمل الصواب.
فلم تستكبر الصحيفة عن نشر رد، أو الاعتراف بخطأ أو تصويب مسار، وحافظت عبر رؤساء تحريرها الذين تعاقبوا على إدارتها، على هذه الرؤية المتزنة فى التحرير والمعالجة والصياغة، والفضل كل الفضل لمحمود عوض.
أما الرجل الثانى فهو زميلى الأستاذ سعيد الشحات، الذى تولى منصب أول مدير عام للتحرير فى فترة التأسيس وما بعدها، وقد كنا نطلق عليه داخل غرفة الأخبار «سعيد رأس الحكمة»، إذ أن خبرته المهنية الطويلة فى الإصدارات الورقية، علمتنا جميعًا كيف نؤسس لدورة عمل صحيحة، وكيف نضمن صياغة الأخبار على نحو يحفز القارئ على المتابعة، دون مزايدات لفظية، أو عبارات رنانة، كما ساهم على نحو فاعل فى وضع خطوط فاصلة بين التحرير والإعلان، وبين الخبر والرأى، كما أنه كان النصير الأول للإصدار الورقى، إذ كنت أنا، كما اعترفت سابقًا، مجذوبًا بالإعلام الرقمى، وذهب كل جهدى نحو اليوم السابع الإلكترونية، بينما كان رأس الحكمة هو عراب الإصدار الورقى.
كان للوقت الطويل الذى قضاه سعيد الشحات فى تعليم الخريجين الشباب الذين اعتمدنا عليهم فى البداية أثر كبير فى رفع مستوى الأداء التحريرى، وقد كان سعيد هو الأكثر فرحًا وابتهاجًا بأرقام التوزيع للورقى، خاصة بعد أن قفزت تلك الأرقام على نحو غير مسبوق فى الأشهر التى سبقت أحداث 25 يناير، وما بعدها، أما أنا فقد كنت مهمومًا بما سيكون عليه الحال بعد أن أصبح الفيس بوك هو المصدر الأول للمعلومات لجيل كامل، وما سيكون له من تأثير على مستقبل الصحافة فى مصر والعالم.
رأس الحكمة، سعيد الشحات، هو الأكثر تواضعًا، فلم يخرج يومًا مستعرضًا بما قدمه من جهد، وما أمضاه من وقت لساعات طويلة ممتدة، ليعلم جيلًا كاملًا كيف نبنى خبرًا موثوقًا، وكيف نضمن تحريرًا منضبطًا، وكيف نعمل كفريق يوازن الجهد بين محتوى الصحيفة الورقية، والموقع الإلكترونى.
أما الدكتور أحمد محمود، رابع هذا الرباعى المؤسس، وعمود الخيمة فى التأسيس للإصدار الورقى، فأشهد أنه لولا هذا الرجل ما كان لـ«اليوم السابع» أن يخرج إلى النور «ورقيًا أو إلكترونيًا»، ولا أتحدث هنا عن عبقريته الإخراجية وحدها، إذ أن بصمات إبداعه على «اليوم السابع» وعلى غيرها من الإصدارات الورقية فى مصر، لكنه كان شريكًا أساسيًا فى التفاوض بينى وبين مجلس الإدارة لحماية التجربة بالكامل، فكم من عواصف مالية هبت، أو خلافات فى النهج تفجرت، أو رغبة من بعض أعضاء مجلس الإدارة آنذاك فى إغلاق النسخة الإلكترونية بحجة أنها مكلفة دون جدوى، أو خفض عدد صفحات الإصدار الورقى لضبط التكلفة.
وكان هذا المخرج الصحفى الموهوب، وأسطورة الصحافة الخاصة، فى معسكر الدفاع عن التجربة بكل عناصرها، ورقيًا وإلكترونيًا، وكم من مرات أقال فيها عثراتى الشخصية فى السّر والعلن، وفاوض بنفسه بعض أعضاء مجلس الإدارة لتعميق التجربة، وتوسيع الإنفاق على التدريب والتكنولوجيا، وأشاع مناخًا من التفاؤل بمستقبل «اليوم السابع»، كان له أكبر الأثر حتى تمضى التجربة نحو الصعود المستمر.
أما الرجل الرابع وصاحب البصمة الأكبر، فهو الدكتور وليد مصطفى، رئيس مجلس الإدارة والمؤسس الأول، فلولاه ما تبنى «اليوم السابع» نهج الإعلام القائم على معايير اقتصادية، إذ أن خبرته الإدارية والإعلامية والإعلانية مكنتنا من أن نتعاقد فى مرحلة مبكرة من عمر «اليوم السابع» مع واحدة من أكبر الوكالات الإعلانية آنذاك هى شركة ميديا لاين، وكان لهذا التعاقد أثر كبير فى حفظ التوازن المالى لـ«اليوم السابع»، وانتهاء كل المشكلات المالية مع مجلس الإدارة، وتوقف تمويلات المساهمين، والاعتماد كليًا على الحصيلة الإعلانية.
ولا تحسبن أن هذا العمل باليسير، على العكس، فقد كنا تربينا صحفيًا فى مراحلنا الأولى، أن الصحفى لا ينبغى عليه أن يفكر فى اقتصاديات الجريدة، وأن هذه المهمة هى خاصة بأصحاب المال، والمؤسسين وحدهم، لكن وليد مصطفى ساهم فى خلق مساحة عادلة بين الإعلان والتحرير، ونجح فى أن يضمن مسارًا اقتصاديًا فعالًا، فتح للفريق الصحفى آفاقًا أوسع فى الإبداع والابتكار.
هؤلاء هم مؤسسو الورقى الأصليون، جنبًا إلى جنب مع كل فريق العمل الواعد الذى رُزِقَ الله به «اليوم السابع»، من موهوبين قادوا الأقسام، وموهوبين عملوا فى ميادين التغطية الصحفية، حتى أصبحت الصحيفة هى الأولى فى مصر، وانتزعت حفنة من الجوائز المرموقة، وقد كان من مأثورات صالة التحرير حينها أن «الصحفى الكويس رِزق»، وقد كان رزق «اليوم السابع» كثيرًا.
آثرت أن أحتفل مع «اليوم السابع» بالعدد 5000 بهذه الأسماء، إذ أرغب أن يعرف الجيل الجديد من المحررين أن الحفاظ على هذا التاريخ، ورد الحق لأصحابه هو حجر الأساس فى القيم الصحفية، وهو الدافع دومًا للنمو والتطور.
وأخيرًا، شكرًا علا الشافعى، شريكة الأيام الأولى، وأدام الله احتفالات «اليوم السابع».
الكاتب الكبير محمود عوض

دكتور أحمد محمود
.jpg)
الكاتب الصحفى سعيد الشحات

وليد مصطفى
.jpg)

اليوم السابع