هبة مصطفى تكتب: العمر والحساب الجارى

الأربعاء، 19 فبراير 2025 04:48 م
هبة مصطفى تكتب: العمر والحساب الجارى هبة مصطفى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يقول الحسن البصرى عن العمر والأيام: "يا ابن آدم ما أنت إلا أيام فإذا ضاع يومك ضاع  بعضك".

عندما يولد الإنسان يضع له الله عمره وأيامه فى بنك الحياة الحساب الجارى ليس له فوائد بل يتناقص الرصيد بمرور الأيام.

العمر لحظة والحياة ليست مجرد مرور للأيام، بل هى سعى مستمر لتحقيق أهدافٍ تُرَكِّب فيها الرصيد الأكبر من الأعمال وأن العمر هو رأس المال الذى يملكه الإنسان منذ أن يُخلق حتى يفارق الحياة. هذا المدى الزمنى الذى يُتاح لكل فرد فى هذه الدنيا ليس ملكًا له بالكامل، بل هو أمانة من الله سبحانه وتعالى، فكل لحظة من لحظاته، وكل يوم من أيامه هو فرصة لا تعوض، يتحدد فيها مصيره بناءً على ما يقدمه من أعمال وصبر واحتساب، ويمكن للإنسان أن يرى فى نهاية مسيرته ما إذا كان قد زاد رصيده أو نقص، أو ربما تلاشى رصيد عمره بسبب التفريط.

لذا نجد العمر فى جوهره هو حساب جارٍ فى حياتنا اليومية. هذه الحسابات الجارية لا تتراكم فيها الثروة، بل تتراكم لحظات العمر التى نعيشها، والتى تُسجل فى ميزان الأعمال، بالإضافة أو النقص، وللأسف الشديد الوقت ليس بالشىء الذى يمكن استعادته أو استرجاعه وكذلك ما قال الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا"، هذه المقولة تُبرز حقيقة أن الإنسان غالبًا ما يعيش حياته دون أن يُدرك قيمة الوقت الذى يمر عليه، وتزداد هذه الحقيقة وضوحًا بعد أن يُغادرنا هذا الزمن، فحينها فقط يبدأ الإنسان فى التفكير فى ما فعله فى عمره.
كما أشار الكتاب المقدس سفر المزامير إلى أن "أيامنا سبعون سنة، وإن كانت مع القوة فثمانون سنة"، أما فى التوراة، فثمة مقطع يقول "علمنا عد أيامنا حتى نصل إلى قلب حكمة"، هذه دعوة واضحة لاستخلاص الحكمة من الوقت، وعدم إضاعته فى أمورٍ لا تنفع.

وقتل بحثا هذا الأمر من أدباء العرب والأجانب فنجد أن الشاعر المتنبى قال: "على قدر أهل العزم تأتى العزائم"، فالعزم والإرادة فى الحياة وجهان لعملة واحدة هى محصلة أعمال عمره وليس مجرد مرور الوقت، ولا ننسى قول العملاق أحمد شوقى، إلى قيمة الزمن: "ما كل ما يتمنى المرء يدركه، تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن"، وهنا نتعرف على فكرة أن الزمن يمر وفقًا لظروف الحياة، وطرق استثمار هذا الزمن، فالكثير منا يشعر أن الزمن فى يدنا، لكننا لا نعلم كيف نستخدمه، نعم عزيزى القارئ كيف نتعامل مع الوقت؟ وكيف يمكن أن يضيع أو ينمّى من خلال القدرات الذاتية المتفاوتة؟.

فى النهاية، يعود الإنسان إلى نفسه ليكون قاضيا على ذاته ويحكم على  حساب عمره، هل كان رصيد حياته قد زاد أم نقص؟ هل استثمر عمره فى طاعة الله والخير، أم ضاع فى متاهات لا طائل منها؟ فالحياة مليئة بالفرص التى يُتاح فيها للإنسان أن يُسجل حسنات تضاف إلى رصيده فى هذا الحساب الجارى، وإذا فشل، فإن العمر نفسه لا ينتظر أن يعود مجددًا، فالحياة البشرية محدودة والعمر مهما طال قصر، مما يتطلب وجوبية الاستفادة من كل لحظة على الأرض بشكل مفيد ومؤثر، وحذف مفهوم "الانتظار" من قاموس الحياة وإضافة "الاستثمار المتتابع" فى كل لحظات الحياة.

و من المهم عندما نتحدث عن موضوع مثل "العمر والحساب الجارى" مع الأشخاص الذين قد يكونوا أقل دراية أو اهتمامًا بهذا الأمر، سواء كانوا أميين أو متجاهلين، أن نستخدم أساليب وأدوات توصل الفكرة بطريقة بسيطة وملهمة، وتُحاكى تفكيرهم وواقعهم بشكل مباشر، مثل استخدام التشبيه البسيط: كوسيلة فعّالة لربط المفهوم بأشياء يعرفها الشخص جيدًا.

كتشبيه بعرف الجميع "العمر مثل المال فى جيبك. كل يوم تمرّ فيه، سواء كنت تعمل أو لا تعمل، يُخصم جزء من هذا المال، إذا لم تستخدمه بحكمة، قد تجد نفسك يومًا ما بلا شى"، والاستعانة بالقصص الواقعية أو القصص البسيطة التى يمكن أن تكون أداة قوية لشرح الفكرة، وأيضا استخدام الأمثال الشعبية كوسيلة رائعة لتبسيط هذه الفكرة، على سبيل المثال: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، وأهم الوسائل الترغيب والترهيب والحديث عن النتائج فى المستقبل للأفعال الإيجابية والسلبية، والربط بالدين والآخرة، فهذا له دور كبير فى ثقافتنا  العربية، حيث يلعب الدين دورًا كبيرًا فى توجيه الغالبية العظمى من الناس، التوجيه المطلوب والمحدد بين الأمل والواقع.

عزيزى القارئ احرص دائما على أن تكون أعمالك خالدة، ولا تضيع وقتك فيما لا يعود عليك بالنفع، بل تسعى لأن يكون عمرك ذى قيمة تخلَّد فى الدنيا والآخرة.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة