لم يكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يشكل حكومته الجديدة حتى انهارت خلال أقل من 24 ساعة، الأمر الذى أثار قلق المستثمرين وحكومات الاتحاد الأوروبي بشأن مستقبل ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة، كما أثار مخاوف اضطراب سياسيى في الاتحاد الأوروبى نفسه.
وفور الإعلان عن استقالة رئيس الحكومة سيباستيان ليكورنو، والتي لم تصمد حكومته سوى 14 ساعة فق، تراجعت الأسهم والسندات الفرنسية ، وانخفض مؤشر كاك 40 بنسبة 1.4%، بينما هبط اليورو أمام الدولار، وفق تقارير وكالة فرانس برس ورويترز.
ووصف رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب، الوضع السياسي الفرنسي الحالي بأنه "لعبة سياسية مقلقة"، وطالب ماكرون بالدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة فور الموافقة على موازنة العام 2026.
يأتي ذلك فيما يواصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محاولاته الأخيرة للخروج من الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد للوصول إلى توافق من أجل تشكيل حكومة، حيث أعاد تكليف رئيس الوزراء المستقيل سيباسيتيان لوكورنو مجددا لإجراء محادثات أخيرة مع الأحزاب، وسط ضغوطات المعارضة التي تدعو لحل البرلمان أو استقالة ماكرون.
من جانبها أكدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاجارد، في تصريحات سابقة، أن فرنسا ليست حالياً في وضع يتطلب تدخل صندوق النقد الدولي، لكن أي خطر لسقوط حكومة في منطقة اليورو يعد أمرًا "مقلقًا".
وفي بروكسل وعدة عواصم أوروبية، عبر مسؤولون ودبلوماسيون عن قلقهم من ضعف القيادة الفرنسية في ملفات دولية حساسة مثل أوكرانيا وغزة.
وتعد فرنسا قوة نووية وعضوًا دائمًا في مجلس الأمن، وتتمتع بثقل سياسي واقتصادي لا يُضاهيه في الاتحاد الأوروبي سوى ألمانيا، ما يجعل أي اضطراب داخلي فيها مصدر قلق مباشر لبروكسل.
ويعاني ماكرون من عجز متزايد في الموازنة العامة، وعجز حكومته المتكررة عن تمرير إجراءات ضبط الإنفاق في البرلمان، ما يفتح الباب أمام احتمال إجراء انتخابات تشريعية مبكرة قبل نهاية العام، الأمر الذي قد يمنح اليمين المتطرف، بقيادة مارين لوبان، فرصة تاريخية للتقدم.
ويرى مراقبون أن أي انتخابات جديدة ستؤدي إلى شهور إضافية من الغموض السياسي والاقتصادي، وربما تسرع من تراجع النفوذ الفرنسي داخل الاتحاد الأوروبي.
من جانبه استغل حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان، الذي يحظى بتأييد يتراوح بين 30 و32% وفقًا لاستطلاعات 2024، الأزمة الحالية لتجديد دعوته لإجراء انتخابات جديدة، وسط احتفالات أوروبية أخرى بصعود التيارات الشعبوية، مثل فوز اليميني أندريه بابيش في التشيك.
ونقلت صحيفة بوليتيكو، تصريحات بعض الدبلوماسيين الذى أشاروا إلى أن بعض المسؤولين بدأوا كتابة نعي سياسي لماكرون، بعد أن كان ينظر إليه عام 2017 كأمل جديد لأوروبا وكاسر لقواعد السياسة التقليدية في فرنسا.
وفى أوروبا ينظر إلى فرنسا وألمانيا، باعتبارهما العمود الفقري للاتحاد الأوروبي، غير أن حالة الاضطراب في باريس تعرقل هذا التوازن، حتى مع وجود المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس الذي يعتبر أكثر ديناميكية من سلفه.
فيما أوضح جريجوار روس، مدير برنامج أوروبا وروسيا في مركز تشاتام هاوس للأبحاث بلندن، أن ماكرون بنى خلال ثماني سنوات صورة فرنسا الوجه الجذاب للاستثمار في أوروبا ، لكن تلك الصورة تتآكل بسرعة، وقال روس: لا أرى أي مستثمر دولي كبير يختار فرنسا حاليًا في ظل هذا الغموض السياسي والمالي المطلق.
ويخشى الدبلوماسيون أن تتحول أزمة ماكرون إلى نقطة ضعف هيكلية داخل الاتحاد الأوروبي، خصوصًا إذا تراجعت قدرة باريس على لعب دورها المحوري في الأمن الأوروبي والسياسات الدفاعية.