كل صباح، تُشرب أكثر من 3 مليارات كوب من القهوة حول العالم، فى المنازل، المكاتب، والمقاهى، حيث يظل عبق القهوة ورائحتها المميزة جزءًا من طقوس يومية لا غنى عنها، لكن وراء هذا المشروب اليومى تكمن أزمة عميقة تؤثر على سعره واستدامته.
وشهدت أسعار منذ بداية 2025 ارتفاع فى سعر القهوة، وفى فبراير وصل سعر الكيلوجرام من القهوة الخام إلى 7.23 يورو، وهو أعلى مستوى يُسجل فى الأسواق العالمية منذ عقود. ورغم انخفاض السعر إلى 5.32 يورو فى يوليو، لا يزال هذا الرقم مرتفعًا بشكل كبير مقارنة بسعر العام السابق الذى كان 3.52 يورو، وبين الصعود المتواصل والهبوط الضعيف تستمر أسعار القهوة فى إثارة الجدل حيث يشعر المستهلكون بتأثير هذا الارتفاع من خلال ارتفاع أسعار القهوة فى المقاهى والمتاجر، حيث يمكن أن يكلف كوب اللاتيه الواحد حوالى 3.40 يورو، والقهوة بالحليب 2.60 يورو، مما يعكس زيادة ملحوظة فى التكلفة.
أزمة عالمية فى فنجان قهوة
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة الإكونوميستا الإسبانية فقد ينمو القهوة فى ما يُعرف بـ"حزام القهوة"، وهى منطقة تمتد بين خطى العرض السرطان والجدى، حيث يزرع حوالى 25 مليون مزارع حبوب القهوة، التى تمثل ثانى أكثر السلع التجارية تداولًا بعد النفط.
وتشكل هذه المنطقة قلب إنتاج القهوة العالمى، الذى يتعرض لضغوط متزايدة بسبب التغيرات المناخية. شهدت البرازيل، أكبر منتج عالمى، موجات جفاف حادة لم تشهدها منذ 70 عامًا، بينما تعرضت فيتنام، ثانى أكبر منتج، لفيضانات مدمرة بعد فترة جفاف. ويُعد البلدان معًا مسؤولين عن نحو 56% من إنتاج القهوة العالمى، لذا فإن أى اضطراب فيهما يؤثر مباشرة على الأسواق الدولية.
تأثير النزاعات الجيوسياسية واللوجستية
إضافة إلى العوامل المناخية، تؤدى النزاعات المسلحة وتوترات النقل البحرى إلى زيادة تعقيد عمليات الشحن وارتفاع تكاليفها، مما يؤثر سلبًا على سلاسل الإمداد. كما تسببت الرسوم الجمركية والقيود التجارية فى زيادة تخزين بعض الدول كميات أكبر من القهوة، مما زاد من ندرة المعروض ورفع الأسعار.
أنواع القهوة بين الجودة والتهديد
وتعتبر أنواع القهوة الأكثر تضررا هى ارابيكا، التى تشكل ما بين 60 و80% من الإنتاج العالمى، وتتميز بنكهتها اللطيفة وقلة محتواها من الكافيين، لكنها شديدة الحساسية للحرارة والأمراض النباتية، مثل صدأ القهوة، أما نوع روبوستا فهو أكثر تحملا لكن نكهته المرة وارتفاع محتوى الكافيين يجعله أقل تفضيلا لدى كثير من المستهكلين.
تراجع الإنتاج والآفاق المستقبلية
وتتوقع وزارة الزراعة البرازيلية مع نهاية 2025 مقارنة بعام 2024 مما يزيد من ضغوط الأسعار، وتواجه المناطق الرئيسية لإنتاج القهوة ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الأمطار، مما يهدد استدامة زراعة القهوة.
وتشير الدراسات الحديثة إلى أن 15% من الأراضى المناسبة للزراعة قد تصبح غير صالحة بحلول 2100، بسبب تغير المناخ، وتدعو التوصيات إلى اعتماد تقنيات الزراعة تحت الظل وأنظمة رى متطورة وتطوير أصناف مقاومة للجفاف والأمراض.
رغم ارتفاع الأسعار العالمية، يعانى ملايين المزارعين الصغار من انخفاض الأرباح بسبب انخفاض المحاصيل وارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية. وتقدر المنظمة الدولية للقهوة أن حوالى 12.5 مليون مزارع صغير يعتمدون على القهوة كمصدر رئيسى للدخل، منهم 265 ألف أسرة فى البرازيل وملايين فى إثيوبيا.