كشفت دراسة جديدة أن فريق من الباحثين الدوليين تمكن من اكتشاف أصول معبد الكرنك في مصر، وكشفوا كيف نشأ أحد أكبر المجمعات الدينية في العالم القديم من مياه نهر النيل منذ أكثر من 4000 عام، حيث وجد الباحثون أن معبد الكرنك، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو ويجذب ملايين الزوار سنويًا، بدأ على ما كان في السابق جزيرة صغيرة داخل سهل فيضان النيل، وعلى مر القرون، نمت هذه الجزيرة لتصبح القلب النابض لمدينة طيبة القديمة، العاصمة الدينية لمصر.
وقد قال الدكتور بن بينينجتون، المؤلف الرئيسي للدراسة والباحث الزائر في علم الآثار الجيولوجي بجامعة ساوثهامبتون: "يوفر هذا البحث الجديد تفاصيل غير مسبوقة حول تطور معبد الكرنك، من جزيرة صغيرة إلى واحدة من المؤسسات المحددة لمصر القديمة"، وفي ضوء ذلك نستعرض معلومات عن المعبد الأثري القديم.
أعظم المعالم الدينية والسياسية في مصر القديمة
حسب ما ذكره موقع وزارة السياحة والآثار الرسمي فإن معبد الكرنك كان يعرف بـ"إبت سوت" أو "أكثر الأماكن تميزًا"، حيث كان واحداً من أعظم المعالم الدينية والسياسية في مصر القديمة، يقع على الضفة الشرقية لنهر النيل في مدينة طيبة (الأقصر حاليًا)، كما كان مقرًا لعدد من المعابد والمقاصير، كان يُمارس في معبد آمون الكبير الطقوس الخاصة بالمعبود آمون، الذي كان يتمتع بنفوذ كبير في مصر كمعبود رئيسي لطيبة. يعتبر هذا الموقع مركزًا للثروة والقوة، حيث كان للكهنوت سلطة سياسية هائلة.
لمع نجم طيبة في بداية الدولة الوسطى، وذلك لنشأة السلالة الملكية التي وحدت مصر بعد عصر الانتقال الأول، ليُصبح هذا المكان أحد أعظم وأهم المدن في مصر القديمة، وتزامن ارتفاع مكانة آمون مع تقدم طيبة وازدهارها، من عهد الملك إنتف الثاني (حوالي 2112–2063 ق.م) وحتى العصر البطلمي (305 ق.م–30 ق.م)، استمر الملوك في الاهتمام بمعبد آمون من خلال مشروعات البناء ومستلزمات الطقوس الدينية، مع بعض الإضافات في العصر الروماني (30 ق.م –306 م). وترك كل ملك من ملوك العصر الحديث بصمته في هذا الموقع المهم.
مجمع معابد الكرنك بالأقصر
يتألف من مجمع هائل من المعابد، بما في ذلك مقصورة آمون الكبيرة، ومقصورة موت زوجة آمون في الجنوب، ومقصورة مونتو في الشمال، ومعبد إخناتون المُخصص لعبادة آتون في الشرق. بُني معبد آمون بمحور شرقي-غربي، في محاكاة لرحلة إله الشمس عبر السماء، ومع ذلك، يمتاز هذا المعبد بوجود محور شمالي-جنوبي أيضًا، مما يجعله متصلًا بمعبد الأقصر، وهو معبد آخر مخصص لآمون في طيبة الجنوبية. وقد ربط بين المعبدين طريق احتفالي مزين بتماثيل أبو الهول، وكان يُستخدم في "عيد الأوبت"، أحد أهم الاحتفالات في التقويم المصري القديم.
براعة المصريين القدماء في فنون البناء والنحت
تظهر براعة المصريين القدماء في فنون البناء والنحت في معابد الكرنك، حيث تتزين الجدران بنقوش رائعة، وتماثيل ضخمة، وأعمدة عظيمة، من أبرز معالم المعبد قاعة الأعمدة الكبرى، والتي تحتوي على 134 عمودًا ضخماً، يصل ارتفاع بعضها إلى 15 متر، بينما يصل ارتفاع الأعمدة الكبرى في المنتصف إلى 21 متر. بدأت أعمال بناء هذه القاعة في عهد أمنحتب الثالث (حوالي 1390–1352 ق.م)، ولكن الزخارف والبناء الرئيسي تم في عهد كل من سيتي الأول (حوالي 1294–1279 ق.م)، ورمسيس الثاني (حوالي 1279–1213 ق.م). بالقرب من هذه الأعمدة تقف مسلتان ضخمتان، شيدت إحداهما الملكة حتشبسوت (حوالي 1473–1458 ق.م)، ويبلغ ارتفاعها نحو 30 متر، ووزنها أكثر من 300طن.
مكونات معبد الكرنك
يوجد معبد "آخ منو" الذي بناه تحتمس الثالث (حوالي 1479–1425 ق.م) في الطرف الشرقي من الكرنك، وكان مُخصص لعبادة مجموعة من المعبودات وأسلافه، فضلاً عن أتباعه.
ويضم الجدار الخارجي لمعبد آمون معبدًا مخصصًا لخونسو في الزاوية الجنوبية الغربية، إضافة إلى معبد أوبت، أنثى فرس النهر (معبودة الولادة)، الذي تم بناؤه غالبًا في العصر البطلمي. ولا تزال البحيرة المقدسة، التي كان الكهنة يتطهرون فيها قبل أداء الطقوس، قائمة حتى اليوم. بالإضافة إلى هذه المعابد؛ ينتشر في أنحاء الكرنك العديد من المعابد الصغيرة والكنائس، مما يجعل الموقع بمثابة متحف مفتوح يعكس فنون وعمارة مصر القديمة في أبهى صورها.