سافر الفريق سعد الدين الشاذلى إلى لندن، يوم 13 مايو عام 1974، لاستلام عمله سفيرا لمصر فى بريطانيا بقرار من الرئيس أنور السادات، أصدره فى شهر ديسمبر 1973 بعد أسابيع قليلة من انتصارات الجيش المصرى على إسرائيل فى حرب أكتوبر 1973، وكان الشاذلى رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة خلال الحرب.
لم يكن القرار مريحا للأوساط الصهيونية فى بريطانيا، ويكشف الشاذلى فى مذكراته «حرب أكتوبر»: «كانت هناك معلومات تفيد بأن مجموعة من المتعصبين الإسرائيليين سوف يسافرون إلى لندن لاغتيالى، وكانت هذه المعلومات لدى المخابرات الإنجليزية»، ويؤكد، أنه لهذا السبب سافر من القاهرة إلى لندن سرا.
ومنذ أول يوم لوصوله إلى لندن، بدأت حملة ضده بالصحف البريطانية قادتها عناصر صهيونية، ويكشف هو عن أسرارها، وعما جرى فيها فى حوار منشور له بجريدة الأهرام، 29 يوليو، مثل هذا اليوم، 1974، مؤكدا أن هذه الحملة بدأت منذ الإعلان عن تعيينه سفيرا لمصر فى لندن، ويكشف عن أنها اعتمدت على اتهامين رئيسيين ضده، كان الاتهام الأول وفقا لقوله: «إننى عندما كنت ملحقا حربيا لمصر فى لندن، كنت على اتصال بالحزب اليمينى المتطرف فى بريطانيا، وهو حزب غير معترف به رسميا، الذى كانت سياسته تتسم بالعداء السافر ضد السامية، وكنت أقوم بتشجيع هذا الحزب فى تلك الفترة، أما الاتهام الثانى، أننى عندما كنت رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة، خلال معارك أكتوبر 1973، أصدرت أوامرى بقتل الأسرى الإسرائيليين ».
واجه «الشاذلى » الاتهامين بالرد عليهما بأسانيد قوية أفسدت مضمونهما تماما، يقول: «بخصوص الاتهام الأول، فقد حدث عند وصولى إلى لندن، يوم 13 مايو الماضى، أن أحد الصحفيين وجه لى سؤالا بهذا الشأن وأننى متهم بمعادة السامية، وقمت بالرد على هذا السؤال، وقلت له إننى لا يمكن أن أكون ضد السامية، لأننى عربى، والعرب كما هو معروف تاريخيا من أصل سامى، ويجب أن نفرق بين الخلاف مع إسرائيل، وبين معاداة السامية، ونشر هذا الحديث بالصحف فى اليوم التالى لوصولى تحت عناوين كبيرة تقول: الشاذلى ينكر أنه ضد السامية».
يؤكد «الشاذلى»: يبدو أن الكثيرين من الشعب البريطانى اقتنع بردى على الاتهام، لكن وصلنى بعد ذلك بعدة أيام خطاب من شخص يهودى اسمه ماركس شلو موفتش، وهو من الشخصيات البارزة باتحاد اليهود فى بريطانيا، وفى هذا الخطاب وجه إلى الاتهام الثانى، وهو الأمر بقتل الأسرى الإسرائيليين، قال «موفتش» فى خطابه: «الآن وقد أنكرت أنك ضد السامية، فهل تستطيع أن تنكر أيضا أنك أمرت بقتل الأسرى الإسرائيليين خلال حرب أكتوبر ؟».
يكشف «الشاذلى»، أن المستشار الصحفى بالسفارة نصحه بألا يرد على هذا الخطاب، باعتبار أنه لم يجر العرف بالرد على مثل هذه الخطابات، ويقول: «لم أقتنع بذلك، وقررت أن أرد، وكان الرد يتلخص فى أننى لم أصدر مثل هذا الأمر، سواء قبل العمليات الحربية أو بعدها، لكننى أصدرت قبل بدء العمليات بحوالى 6 أشهر توجيها للضباط والجنود بأخذ الحذر الشديد عند مخاطبتهم للعدو، حتى لا يخدعوا بمكره وغدره، ونشرت الصحف الخطاب والرد عليه».
يضيف «الشاذلى»: فى يوم 25 يونيو 1974 نشرت صحيفة الجارديان مقالا للنائب العمالى جرتفيل جانير، هاجمنى فيه، وأشار إلى كتيب كنت قد أصدرته للضباط والجنود قبل المعركة وعنوانه «عقيدتنا الدينية هى طريقنا إلى النصر»، وكان هذا الكتيب يعتمد أساسا على ما ورد فى القرآن والأحاديث النبوية، وكذلك ما جاء فى الإنجيل عن الجهاد، وتلقف النائب العمالى بعض الآيات مثل: «اقتلوهم حيث ثقفتموهم» وأخذ يدلل على مدى القسوة والكراهية التى تتسم بها هذه الآية وغيرها، وكذلك تعليقاتى عليها التى وردت فى الكتيب، وبعد ظهور هذا المقال قمت بالرد عليه، وكان الرد يرتكز أساسا على ما يلى:
أولا: أنه لم يستطع أن يأتى بجملة واحدة من هذا الكتيب تحض على قتل الأسرى، ثانيا: أعلنت أننى أصدرت فعلا أمرا بقتل العدو الإسرائيلى، وليس الأسرى، وأن هذا أمر طبيعى، وتساءلت: ماذا كان ينتظر النائب المحترم منى أو من أى قائد آخر فى توجيهاته لجنود قبل ذهابهم إلى المعركة؟ هل كان ينتظر أن نقول للجنود: استقبلوا عدوكم بالأحضان والقبلات؟
سألت الأهرام «الشاذلى»: هل تعتقد الآن أن هذه التحرشات قد انتهى أمرها؟ أجاب: «أعتقد أن ردى الأخير كان نهاية هذه الحملة القاتلة ضدى، كما أعتقد أن غالبية الشعب البريطانى اقتنع الآن بأن هذه الاتهامات لم يكن لها أى أساس من الصحة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة