نهج إقليمى متزن، تتبناه الدبلوماسية المصرية، فى إدارة علاقاتها الإقليمية، يهدف فى الأساس إلى تحقيق أكبر قدر من الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، فى ضوء اشتعال الموقف على العديد من الجبهات، ربما أبرزها فى الأراضى الفلسطينية، خاصة بعد العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، منذ أكتوبر الماضى، بينما تبقى الأوضاع فى السودان، أحد الأولويات الهامة، مع زيادة وتيرة الفوضى، جراء المعركة الدائرة هناك منذ ما يقرب من 15 شهرا، وهو ما يمثل ضغوطا كبيرة، على المنطقة بأسرها، سواء بسبب الزيادة الكبيرة فى أعداد اللاجئين، أو ما تمثله تلك الأزمات من مخاوف جراء احتمالات تمددها وامتدادها إلى دول أخرى، وما قد يسفر عنه من فوضى كبيرة قد تأكل الأخضر واليابس، فى ضوء أوضاع عالمية صعبة بمجملها فى اللحظة الراهنة، وهو ما يعكس أولويات الحكومة المصرية فى المرحلة المقبلة، والتى تسعى للبناء على الجهود المبذولة فى السنوات الماضية.
ولعل المخاوف جراء امتداد نطاق الصراعات الإقليمية يبدو واضحا في أزمة غزة، والتى تحمل إطارا دوليا، حيث شهدت تمددا لتتجاوز الرقعة الجغرافية للقطاع، نحو دول أخرى بالمنطقة، وهو ما يبدو فى منطقة جنوب لبنان، مرورا بالأراضى السورية، وحتى اليمن، ناهيك عن الدعوات التى تبناها الاحتلال الإسرائيلى لتهجير سكان القطاع، وهو ما يضع دول المنطقة، وبالأخص دول الجوار، في دائرة الخطر، مع احتمالات احتدام الصراع في المرحلة المقبلة، بينما يبقى الصراع فى السودان ذو طبيعة أهلية، في ضوء الصراع بين أطراف سودانية، وهو ما ينطبق على أزمات أخرى على غرار الأزمة الليبية.
الاختلاف في طبيعة الأزمات الإقليمية، تطلب نهجا خاصا من قبل الدولة المصرية، في التعامل مع كل صراع من الصراعات القائمة فى محيطها الإقليمى، حيث حمل النهج الذى تبنته الدولة فى إدارتها لأزمة العدوان على غزة، رؤية دولية واسعة النطاق، من خلال الدعوة إلى مؤتمر عالمي، بعد أيام من اندلاع الحرب، فى أكتوبر الماضى، وهو ما وجد استجابة كبيرة، من أجل تحقيق توافقات كبيرة، حول ثوابت القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى تعزيز الرؤية القائمة على الوضع الميدانى، عبر وقف إطلاق النار، وتعزيز الأوضاع الإنسانية من خلال إجبار الاحتلال على تمرير المساعدات الإنسانية.
الرؤية المصرية في إدارة أزمة غزة، حملت نجاعة كبيرة في إطار العديد من النجاحات التي تحققت خلال الأشهر الماضي، خاصة على صعيد القضية، سواء على المستوى الإقليمي من خلال إجماع عربي إسلامي حول دعم حقوق الفلسطينيين، سواء على أساس الشرعية الدولية في بناء دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، أو إنسانيا من خلال المساعدات وممارسة الضغط على الاحتلال لوقف إطلاق النار، بينما تمكنت من استعادة الزخم للقضية في محيطها الإفريقي، وهو ما بدا في التضامن مع فلسطين سواء على المستوى القارى الجمعي، من خلال الاتحاد الإفريقي، أو عبر القوى البارزة في القارة، على غرار جنوب أفريقيا التي رفعت دعوى على الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية لإجباره على الاستجابة لنداء العالم لوقف إطلاق النار، بينما اقتنصت فلسطين اعترافات بدولتها من قبل قوى غربية مؤثرة، على رأسها إسبانيا والنرويج وإيرلندا، وهي دول محسوبة على المعسكر الموالي للدولة العبرية، وهو ما يعد بمثابة انتصارات تاريخية للقضية.
بينما يبقى النهج المصري في التعامل مع الأزمة السودانية، مختلفا إلى حد كبير، في ضوء طبيعتها الأهلية، حيث تمكنت الدولة المصرية من التحكم إلى حد كبير في وتيرة التدخل الدولي في الأزمة، عبر مسارين، أولهما يقوم في الأساس على قصر الدور الخارجي على دول الجوار، والتي شاركت في اجتماع بالقاهرة، في العام الماضي، باعتبارهم الأكثر تأثرا بالأزمة وتداعياتها، بينما يبقى دورها قائما على تعزيز نداء وقف إطلاق النار، مع العمل على تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة، بعيدا عن أي انحياز، في حين استضافت مؤخرا مؤتمرا للقوى السودانية، بهدف تعزيز بيئة الحوار، من اجل الوصول إلى حل سوداني خالص.
الموقف المصرى من الأزمة السودانية يبدو متطابقا مع رؤيتها للأزمة الليبية، في ضوء طبيعتها الأهلية، حيث تبنت القاهرة موقفا قويا رافضا لأي تدخل دولي في الشأن الليبي، بينما سعت إلى دعم أي جهود من شأنها القضاء على الجماعات المتطرفة، باعتبارها أحد أهم الأبعاد المرتبطة بالأزمة في ليبيا، وهو الموقف الذي أثمر عن جلسات جمعت بين أطراف المشهد الليبي، وأبرزها داخل أروقة جامعة الدول العربية في مارس الماضي.
النهج المصري في إدارة الأزمات الإقليمية، وإن حمل طبيعة مختلفة بحكم اختلاف طبيعة الصراعات نفسها، إلا أن العامل المشترك فيها يبدو في قدرتها على تعزيز ثقة الخصوم في نزاهة الدور الذي تلعبه القاهرة، وبالتالي عدم القدرة على تجاوزها، وهو ما يعكس إقبال زعماء العالم على زيارة العاصمة المصرية، طيلة الأشهر الماضية، من أجل الوصول إلى حلول بشأن الأزمات الإقليمية، وعلى رأسها أزمة غزة.
وهنا يصبح بناء الاستقرار الإقليمي، ومواصلة العمل من أجله هو أحد أهم أولويات الحكومة المصرية، وعلى رأس أجندتها في المرحلة المقبلة، وبالتالي سوف تواصل، عبر وزارة الخارجية، على العمل مع كافة الأطراف لإنهاء الصراعات الحالية، من أجل الانطلاق نحو نقاط تفاوضية من شأنها إحداث استقرار مستدام في المستقبل القريب
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة