لم يكن عبد الرحمن الخميسي شخصًا عاديًا، لأنك عندما تحاول التعرف عليه، تشعر بالحيرة، فأيُّ الألقاب ستطلقها عليه، أهو الشاعر، أمِ الفنان، أمِ القاصِّ، الإذاعيِّ، أمِ المترجم، لقد أبدع في كل تلك المجالات معًا، واستحقَّ أن يحصل على لقب الأستاذ عن جدارة، ولكن ماذا عن حياته الشخصية؟، هل كانت سعيدة، أم أنه عانى كثيرًا؟
ولد عبد الرحمن الخميسي في الـ13 من نوفمبر عام 1920، في بورسعيد، والده كان من ريف المنصورة، أما والدته فكانت من أبناء مدينة بورسعيد، ويبدو أن الفارق بين الثقافتين قد أثر على أسرته الصغيرة بشكل ما؛ الشيء الذي أدى إلى انفصال والديه، وبقاء الطفل مع والدته.
عندما بلغ الخميسي عامه السادس، اختطفه والده من بورسعيد، وعاد به إلى قرية منية النصر، إحدى قرى مدينة المنصورة، -وفقًا لحواره مع تليفزيون الكويت-، وهناك التحق بمدرسة الزرقا الابتدائية، ثم انتقل إلى مدرسة القُبّة الثانوية، في مدينة المنصورة، لكنه لم يُكمِل دراسته، بدأت موهبة الخميسي الشعرية بالظهور في سنٍّ مُبَكِّر، فراح يكتب القصائد، ويُرسِلها للنشر في المجلات الكبرى، كـ"الرسالة والثقافة"، كما حاول إنشاء مسرح مع رفاقه في القرية.
في عام 1936، قرر الخميسي الذهاب إلى القاهرة، وكان بالكاد قد أتمَّ عامه السادس عشر، بالطبع كان يبحث عن فرصة لإظهار مواهبه الكامنة، لكنه لم يحصل عليها بسهولة، لتضطره الظروف إلى التنقل بين المِهَن، التي لا تمُتُّ لموهبته بصلة، فعملَ بائع في البقالة، وكومسري، ومُصَحِّح في مطبعة، ومدرس، كما عمِل مع فرقة أحمد المسيري المسرحية، التي كانت تجوب المحافظات، لكنه حصل على فرصته الحقيقية، عندما انضمَّ إلى فريق عمل جريدة المصري، -لسان حزب الوفد-، وبقيَ فيها حتى عام 1952، إذ أُغلِقت الجريدة فيما بعد، وخلال فترة عمله في الجريدة، بدأ في كتابة مجموعته القصصية الأولى، كما عاد لكتابة الشعر من جديد.
تعرض الخميسي للاعتقال في يونيو عام 1953ّ بسبب دعواته لعودة الحياة الحزبية، وبقيَ في المعتقل حتى منتصف ديسمبر عام 1956، ولم يتوقف عن الكتابة خلال فترة اعتقاله؛ إذ نُشِرت له أكثر من مجموعة قصصية، انضمَّ الخميسي إلى فريق عمل جريدة الجمهورية بعد الإفراج عنه، ولكن بسبب أفكاره غير المتوافقة مع سياسة الدولة، طُبِّق عليه قرار العزل السياسي، ونُقِل للعمل في وزارة التموين، وخلال تلك الفترة، أنشأ فرقة مسرحية باسمه، وكتب أكثر من مسلسل إذاعي، أشهرهم مسلسل حسن ونعيمة، الذي تحول إلى فيلم سينمائي فيما بعد، وقد اختار أبطاله وكتب السيناريو الخاص به، ورأى النقاد في حسن ونعيمة، روميو وجولييت مصر.
وله 4 أفلام سينمائية أخرى، أظهر مواهبه فيها، ما بين التأليف، والإخراج، والموسيقى، وهي: "الجزاء، عائلات محترمة، الحب والثمن، زهرة البنفسج"، ورغم تجاربه التمثيلية المتعددة، لكنه اشتهر بدور الشيخ يوسف في فيلم الأرض، ظهرت مواهبه التمثيلية أكثر، في الفرقة المسرحية التي أنشأها في مارس عام 1958، وبدأت عروضها الصيفية في يونيو من نفس السنة، إذ قدمت 3 عروض مسرحية، من تأليفه، وإخراجه، وتمثيله، هي: "الحبّة قُبّة، القسط الأخير، حياة وحياة"، وفيما بعد قدمت فرقته 3 مسرحيات أخرى، كمسرحية "عقدة نفسية"، المقتبسة من الرواية الفرنسية "عقدة فيلمو"، والتي مصَّرها الأستاذ أحمد حلمي لفرقة الخميسي، أما المسرحية الثانية، فهي مسرحية "عزبة بنايوتي" للأستاذ محمود السعدني، والتي أظهرت طاقاته كممثل بارع.. أما المسرحية الأخيرة، فهي "نجفة بولاق"، والتي جابت بها الفرقة محافظات مصر، لكن الفرقة توقفت عن عروضها فيما بعد لأسباب مادية.
أما عن الشعر، فقد لمع اسم الخميسي في الشعر الرومنسي، خاصة في أربعينيات القرن الماضي؛ إذ تأثر بشعراء مدرسة أبوللو الشعرية، وقد ألف 7 دواوين، من بينها: "أشواق إنسان، دموع ونيران، ديوان الخميسي، ديوان الحب، إني أرفض؟، تاج الملكة تيتي شيري، مصر الحب والثورة".
وعن المجموعات القصصية، فقد بدأ أولى مجموعته على صفحات المصري، خلال فترة الأربعينيات، تحت اسم "من الأعماق"، كما أعاد كتابة ألف ليللة وليلة في جزئين، والتي نشرها في منتصف الخمسينيات تحت عنوان: "ألف ليلة الجديدة"، ومن مجموعاته القصصية الأخرى: "صيحات الشعب، قمصان الدم، لن نموت، رياح النيران، دماء لا تجف، البهلوان المدهش، أمينة وقصص أخرى"، وكانت تلك آخر مجموعة قصصية له، فلم يعد إلى فن القصة، وله أيضًا قصة طويلة لم تطبع، لكنها نشرت في المصري في أواخر الأربعينيات تحت عنوان: "الساق اليمنى"، إلى جانب كتابته للأوبريتات الغنائية، كأوبريت "العروسة"، الذي كتبه بمناسبة تأميم قناة السويس"، بالإضافة إلى تعريب الأوبريتات الأجنبية، كأوبريت "الأرملة الطروب".
كما كان للخميسي الفضل في ظهور بعض المواهب الأدبية، كالدكتور يوسف إدريس، والفنية كسعاد حسني وصلاح السعدني، تزوج الخميسي حوالَيّ 4 مرات وأنجب 13 ولدًا وبنتًا، أكبرهم عبد الملك، والد الفنانة لقاء الخميسي، توفي الخميسي في الأول من إبريل عام 1987، في موسكو، ودُفِن في المنصورة؛ حسب وصيته.