يعتبر كتاب "أقواس جوتنبرج عصر الطباعة ودروسه لعصر الإنترنت" للكاتب جيف جارفيس من أحدث الكتب الأجنبية التى صدرت فى فئة الكتب غير الخيالية حيث صدر فى نهاية يونيو الماضى وحقق قبولا كبيرا لتسليطه الضوء على قضية مهمة للغاية وهى قضية نهاية عصر الطباعة الورقية وبداية عصر التكنولوجيا الرقمية.
ونبدأ من اسم الكتاب "أقواس جوتنبرج" وهو مصطلح صاغه العالم الدنماركي "لارس أولي ساويربيرج" الذي اقترح أن تاريخ الثقافة كما نعرفها حتى الآن والذى يعود إلى أكثر من 500 عام منذ اختراع مطبعة يوهانس جوتنبرج في منتصف القرن الخامس عشر وحتى ما يقرب من مطلع الألفية سيُعتبر مجرد صورة عابرة فى التاريخ بمعنى أن تلك المرحلة التى ستنتهى قريبا سينظر إليها العالم فى المستقبل باعتبارها مرحلة تاريخية وانتهت إلى ما آل إليه حالها.
ويقول: ستحول التكنولوجيا الرقمية مؤسساتنا الثقافية من خلال تقويض مكونها الأساسي الملكية الفكرية والسلطة الأخلاقية المرتبطة بالتأليف الفردي وسيكون مستقبل إنتاج المعرفة جماعيًا وتعاونيًا يستلزم في جوهره العودة إلى التقليد الشفهي للعالم قبل الطباعة.
يأخذ جيف جارفيس القارئ في جولة تفصيلية حول تاريخ الطباعة بدءًا من كتاب جوتنبرج المقدس وهو أقدم كتاب تم إنتاجه باستخدام الكتابة المتحركة في أوروبا وبعد أقل من قرن من الزمان ، نشر مارتن لوثر أطروحاته الخمسة والتسعين وغير مجرى تاريخ العالم.
في مطلع القرن السابع عشر لدينا ولادة الرواية الحديثة وتصور المقال وتطوير المسرحيات المطبوعة وظهور الجرائد، كل ذلك حدث في غضون سنوات، إذ لم تكن الجرائد والصحافة نفسها من الممكن أن تظهر كمهنة لولا ظهور الطباعة.
ثم جاءت الكهرباء والتلغراف وأخيراً معالجة النصوص وطباعة الأوفست والتي بشرت بعهد جديد من "الطباعة عن طريق الاتصال وليس بالقوة"، وهى مرحلة يوردها المؤلف فى كتابه مستعرضا كيف سارت الأمور فى ذلك العهد.
ويورد الكاتب مقطعا عن رائد الطباعة جون باسكرفيل حيث يعرض سطرًا رائعًا منسوب إلى كاتب سيرته الذاتية سيمون جارفيلد الذي سخر من أن باسكرفيل نفسه "أثبت أنه من النوع المتحرك" عندما تمت مداهمة ضريحه في برمنجهام خلال أعمال الشغب الكهنوتية عام 1791 وتم نقله في عام 1828 بسبب توسيع المدينة.
القسم الأخير من الكتاب الذي يوجه فيه جارفيس انتباهه إلى المستقبل أكثر مقالية حيث يتفاعل مع مفكرين مثل مارشال ماكلوهان وإليزابيث آيزنشتاين وهانا أرندت، ويشير إلى أن: "الطباعة عززت المعرفة كمؤسسة أساسية للثقافة في جميع أنحاء العالم" حيث قدمت كل شيء من الصحافة والدعاية السياسية إلى الكتابة الإبداعية.
إن ثقافة الطباعة المبنية على السرد الخطي والترتيب المتسلسل للمحتوى تفسح المجال تدريجياً لشيء أكثر فوضوية حيث أن جارفيس الذي ولد في عام 1954 والذى يطلق على الإنترنت اسم "الشبكة" يقول: "أرى بساطًا يُسحب من تحت فهمنا للعالم بل أزمة في الإدراك"، فى إشارة منه إلى تحول العالم من الطباعة العادية إلى التكنولوجيا الرقمية، معتبرا أن العالم الجديد يعبر من الاستقرار إلى سيولة فى الأفكار وطرق متنوعة وفوضوية أكثر موضوعا على المدى تتكشف بمرور الوقت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة