اعتادت الولايات المتحدة تبنى معايير مزدوجة فى سياستها الخارجية منذ عقود طويلة بدأت مع صعودها كقوة عالمية، فتخلت عن شعارات حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية فى دعمها لأنظمة ديكتاتورية فى أمريكا اللاتينية فى القرن العشرين، بينما تدخلت أحيانا أخرى للإطاحة بحكومات وطنية ذات شعبية لمجرد أنها تتبنى سياسات معارضة لها.
لكن تلك الإزدواجية لم تكن أكثر فظاظة مما هو عليه الحال الآن فى تعامل إدارة بايدن وحلفائها مع الحرب الوحشية التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ شهرين، أسقطت فيهما ما يقرب من 17 ألف شهيدا أغلبهم من النساء والأطفال، ومحت فيهما الحياة فى أغلب مناطق القطاع، بينما لم يعد هناك مكانا آمنا لما يقرب من مليونى فلسطيني يعيشون هناك.
وتجلت ازدواجية المعايير الأمريكية فى رفض صارم لدعوة إسرائيل لوقف إطلاق النار فى غزة، واعتبار أن ما تفعله حق مشروع "للدفاع عن النفس" بعد هجوم السابع من أكتوبر وعملية طوفان الأقصى التى أسقطت 1400 إسرائيلى، فى أسوأ حصيلة من القتلى فى تاريخ الدولة العبرية.
وعلى الرغم من مواصلة إسرائيل وحشيتها فى استهداف المدنيين بعد اسئتناف العمليات القتالية فى أعقاب هدنة إنسانية استمرت أسبوع، إلا أن وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن لم يجد حرجا فى الإشادة على ما أسماه "خطوات إسرائيل لحماية المدنيين.
ففى مقابلة مع شبكة سى إن إن الأمريكية، الأربعاء، قال بلينكن إن "إسرائيل اتخذت بعض الخطوات المهمة لحماية المدنيين بشكل أفضل خلال هجماتها على غزة"، مضيفا أن تل أبيب تستجيب لدعوته للعمل بشكل مختلف فى هذه المرحلة من الحرب عما فعلته في شمال غزة.
واكتفى بلينكن بوصف العدد الهائل من الشهداء المدنيين فى قطاع غزة بأنه "مؤلم"، داعيا إلى إنشاء "ممرات آمنة للمدنيين".
وفى وقت سابق، عبر بلينكن عن رفض مطلق لوقف إطلاق النار، وقال أولئك الذين يدعون لوقف إطلاق نار فوري عليهم التزام بمناقشة النتائج غير المقبولة التي يمكن أن يجلبها (وقف إطلاق النار)".
نفس الأمر عبرت عنه نائبة الرئيس الأمريكى كامالا هاريس التى أكدت خلال مشاركتها فى قمة المناخ COP28 فى دبى على حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، حتى وإن كانت قد قالت إن عليها أن تلتزم حماية المدنيين فى غزة.
ولا يبدو أن أمريكا عازمة عن التوقف على تقديم كل سبل الدعم لحليفتها فى الشرق الأوسط، حيث يمضى الكونجرس فى بحث مشروع قانون يطلب مساعدات إضافية لإسرائيل بقيمة 14 مليار دولار. وعلى الرغم من أن التشريع تعثر بسبب إصرار الجمهوريين فى مجلس الشيوخ على إجراءات أفضل للحد من الهجرة ضمن حزمة الأموال التى طالب بها البيت الأبيض بإجمالى قيمة 106 مليار دولار.
ويتجاهل بايدن دعوات بعض الديمقراطيين الذين يدعون إلى ربط المساعدات لإسرائيل بضمانات لحماية المدنيين. وقال عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى فى خطاب تم إرساله لبايدن يوم الثلاثاء الماضى، إنه ينبغى على الولايات المتحدة أن تضمن أن الأسلحة التى تقوم بنقلها إلى إسرائيل لا تستخدم بطريقة تنتهك القانون الدولى. كما أعرب الخطاب أيضا عن مخاوف بسبب غياب الشفافية بشأن عمليات نقل الأسلحة.
ووقع كل من تيم كاين ومارتن هينريتش وجيف كيركلى على الخطاب، وطلبوا إحاطة فى الأسبوع المقبل وإجابات لقائمة مطولة من الأسئلة عن موقف الولايات المتحدة بشأن إستراتيجية إسرائيل العسكرية.
لكن حتى تلك الأصوات التى تعتبر من بين الأشد انتقادا لإسرائيل فى الولايات المتحدة، لم تصل إلى حد المطالبة صراحة بوقف إطلاق النار فى غزة، فيما يؤكد مدى النفاق الأمريكى وخشية السياسيين سواء فى الكونجرس أو المناصب السياسية من أى تعبير عن رأى ترفضه إسرائيل سيكلفهم دعم اليهود المادى والسياسى، بما يعنى فى نهاية الأمر خسارة مواقعهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة