ضغوط كبيرة تحملتها الدولة المصرية، منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأحداث التي يشهدها قطاع غزة، وما أعقبها من عدوان وحشي من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، أسفر عن سقوط ألاف القتلى والجرحى، معظمهم من النساء والأطفال، ناهيك عن استهداف المنشآت المدنية، بدءً من منازل المواطنين، مرورا بالمستشفيات وحتى دور العبادة، سواء من المساجد أو الكنائس، بينما لم تكتفي السلطات الإسرائيلية بهذا الحد، وإنما سعت إلى فرض العديد من التحديات على دول الجوار الفلسطيني، وفي القلب منهم مصر، وذلك وفى إطار محاولتها لتجريد القطاع وسكانه من أى شكل من أشكال الدعم.
فلو نظرنا إلى الدعوات التي أطلقها الاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأسها تهجير الفلسطينيين من أراضيهم في غزة، نجد أنها في جوهرها تمثل ضغطا كبيرا على مصر، في ظل العديد من الأهداف التي تكمن وراءها، وعلى رأسها تصفية القضية الفلسطينية والتي تمثل أحد أهم مرتكزات الدبلوماسية المصرية، وقضيتها المركزية، حيث تمثل الدعوة المشبوهة محاولة صريحة لتصفية القضية، عبر تجريد الدولة من مواطنيها أولا، وكذلك من أقرب حلفائها والداعمين لها، في ظل امتداد دائرة الصراع إلى أراضيهم، وما سوف يترتب على ذلك من مخاطر أمنية عميقة، قد تعيد البلاد مجددا من دائرة الفوضى، بعد تعافيها مما لحق بها خلال حقبة ما يسمى بـ"الربيع العربي".
الدولة المصرية تبنت موقفا واضحا منذ اللحظة الأولى من انطلاق مثل هذه الدعوات، حيث أكدت على رفضها المطلق لفكرة تهجير الفلسطينيين، بينما سعت إلى حشد توافق دولي، سواء خلال قمة "القاهرة للسلام"، أو اللقاءات التي عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع كبار المسؤولين الدوليين، تمكنت خلالها من تحويل المواقف الدولية، لصالح القضية، عبر التأكيد على ضرورة بقاء الفلسطينيين في أراضيهم، حتى تحتفظ الدولة المنشودة بمواطنيها.
التحدي الأخر، الذي واجهته الدولة المصرية، يتجسد في مسألة وصول المساعدات، حيث سعى الاحتلال الإسرائيلي إلى فرض العديد من القيود لمنع تقديم أي مساعدة لسكان القطاع، رغم ما يعانيه من نقص كبير في الغذاء والدواء، حيث واصل الاعتداءات الوحشية، دون توقف لمنع القوافل الإغاثية من الدخول، إلا أن الدولة المصرية تمكنت من فرض إرادتها على سلطات الاحتلال، حيث دخلت أول قافلة مساعدات تزامنا مع انطلاق قمة "القاهرة للسلام".
فرض مصر لإرادتها لم يقتصر على مرور قوافل المساعدات إلى القطاع وإنما امتد إلى استقبالها للمساعدات القادمة من كافة دول العالم، والعمل على إدخالها للقطاع، وهو ما يمثل صفعة قوية للاحتلال، والذى كانت تميل المواقف الدولية لصالحة مع بداية الأزمة، لتصبح التعهدات الدولية بإرسال مزيد من المساعدات بمثابة ضغط إضافي عليه في ظل رغبته في إحكام الحصار على القطاع ومواطنيه، فلا يجدوا ملاذا سوى الخروج من القطاع، والذهاب إلى دول الجوار.
جانب أخر من التحديات يتجسد في ملف نقل رعايا الدول الأجنبية من القطاع إلى مصر، تمهيدا لعودتهم إلى بلادهم، حيث يمثل هذا الملف بمثابة انتصار جديد للرؤية المصرية، وتحديا مهما في ظل تداعيات هذه الخطوة على مواقف المجتمع الدولي، تجاه الدور المصري، والمعروف بدعمه للحق الفلسطيني، حيث يمثل نقطة انطلاق جديدة لدعمها في العديد من الملفات الأخرى، سواء فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، وحتى قضايا الوضع النهائي، والمرتبطة في الأساس بحل الدولتين وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة.
الدولة المصرية تمكنت من فرض رؤيتها على العالم، ومن وراءه إسرائيل عندما قررت السماح بنقل الأجانب ومزدوجي الجنسية إلى أراضيها تمهيدا لعودتهم إلى بلدانهم، مرهونا بنقل المصابين لعلاجهم في المستشفيات المصرية، وهو ما يعكس الحرص المصري الكبير على الانتصار للفلسطينيين، في ظل تردي الأوضاع الصحية في قطاع غزة، جراء القصف المتواتر والنقص الكبير في الأدوية.
وهنا يمكن القول بأن مصر واجهت ضغوطا كبيرة منذ بداية العدوان على قطاع غزة، بدءً من التهجير مرورا بالمساعدات وحتى ملفات الجرحى ونقل الأجانب، إلا أنها تمكنت في نهاية المطاف من فرض إرادتها، بينما حظت بإشادة دولية، تساهم في دفع الدور الذي تقوم به إلى الأمام فيما يتعلق بالعديد من الملفات الهامة، في إطار العمل على تحقيق الشرعية الدولية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة