يبدو النجاح الكبير الذي حققته الدولة المصرية في الإفراج عن أسيرتين إسرائيليتين، انعكاسا صريحا لقدرتها الدبلوماسية الكبيرة، في تحقيق اختراقات كبيرة فيما يتعلق بالمستجدات التي يشهدها قطاع غزة في الآونة الأخيرة، وذلك بعدما نجحت في إضفاء الكثير من الزخم للقضية الفلسطينية عبر قمة "القاهرة للسلام"، والتي لاقت استجابة دولية واسعة النطاق، في ظل خطورة الأوضاع علي الأراضي الفلسطينية واحتمالات تفاقمها لتتحول إلى حرب إقليمية حال الفشل في احتوائها.
ولعل الجهود المصرية، سواء المرتبطة بالدعوة إلى قمة دولية أو ملف الإفراج عن الأسرى، تمثل انعكاسا صريحا لأولوياتها، والتي تقوم على عدة مسارات رئيسية، أولها الوصول إلى وقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن، بينما يعتمد المسار الثاني على الدخول في عملية التفاوض بين طرفي الأزمة في إطار حل الدولتين، والذي يمثل أساس الشرعية الدولية، بينما تتحرك في مسار ثالث على تحقيق مبدأ "الشراكة" عبر التحول من سياسة "الرعاية" الأحادية إلى حالة من التعددية مما يحقق قدرا من التوازن، بعد عقود من الانحياز لصالح طرف على حساب الآخر.
وللتعاطي مع المسارات الذكورة، تتبنى دبلوماسية الوساطة التي تعتمدها الدولة المصرية في التعامل مع الأزمة، نهجا ثلاثيا، أولها مع الفصائل الفلسطينية في إطار ملف الأسرى، من أجل الوصول إلى التهدئة ووقف إطلاق النار، وهو ما يمثل أولوية قصوى في اللحظة الراهنة، حقنا لدماء ألاف المدنيين التي باتت تسفك بشكل يومي، بينما تواصل دورها كوسيط بين السلطة الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي للفلسطينيين، وإسرائيل للبدء في المفاوضات مباشرة، في حين تتحرك على مسار عالمي، عبر تحقيق أكبر قدر من التوافق بين الدول المؤيدة للحق الفلسطيني، والغرب الداعم لإسرائيل وهو ما يمكن البناء عليه في المستقبل، وهو ما تحقق خلال قمة "القاهرة للسلام"، ناهيك عن تحركاتها الهامة والمحورية لتحقيق المصالحة الفلسطينية باعتبارها ضرورية للحفاظ على حالة الزخم التي نحظى بها القضية.
وعلى الرغم من كون الوساطة المصرية في ملف الأسرى، ليس جديدا، فقد لعبت هذا الدور من قبل، في العديد من المناسبات، إلا أن ازدواج الجنسية للكثير من الأسرى الذين تم احتجازهم خلال عملية "طوفان الأقصى"، ربما يعكس امتدادا جغرافيا للدور الذي تلعبه الدولة المصرية في هذا الإطار، في ظل دخول دول أخرى على خط الأزمة جراء وجود مواطنيهم بين الأسرى، وهو ما يساهم في تعزيز الثقة الدولية في نجاعة الدور المصري ونزاهته ومصداقيته في إطار الرغبة الحقيقية للوصول إلى الحل العادل للقضية برمتها.
وتعد الوساطة المصرية ذات الامتداد الجغرافي، ليست جديدة على الإطلاق، فالدولة تقوم بهذا الدور عبر نقل المساعدات المقدمة للفلسطينيين، من قبل الدول العربية والعالم عبر أراضيها، كما سبق وأن قامت بالدور نفسه من خلال إجلاء مواطني العديد من دول العالم من السودان لإعادتهم إلى بلادهم، وهو ما يعكس قدرة كبيرة على التواصل بين أطراف الازمات في مناطقها الجغرافية من جانب، ودول العالم من جانب آخر، وهو ما يعكس ان ثمة تحول بارز في الدور المصري من القيادة الإقليمية المجردة إلى "مركز للحل"، بين أقاليم العالم، وهو الدور الذي حققت فيه نجاحا كبيرا خاصة بي ظل الأزمات الأخيرة.
الدور المصري في هذا الإطار يساهم إلى حد كبير في تخفيف حدة الاستقطاب والصراع، في ظل ما تحظى به من ثقة دولية كبيرة، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تقريب وجهات النظر في القضايا الخلافية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، والتي عانت جراء اختلال الحالة الدولية لعقود طويلة من الزمن.
وهنا يمكن القول بأن نجاح الوساطة المصرية في إطلاق سراح رهينتين، يساهم إلى حد كبير في التخفيف من حدة التوتر تمهيدا لوقف إطلاق النار، إلا أنه يتجاوز في جوهرة هذا الهدف نحو أهداف أخرى متوسطة المدى، على رأسها البدء في المفاوضات المباشرة، وكذلك تحقيق قدر من التوازن في المواقف الدولية تجاه القضية، عبر التوافقات السياسية التي تحققت في جزء كبير منها خلال قمة "القاهرة للسلام"، بينما يبقى ملف الأسرى جانبا آخر للعمل المصري على الأرض لتحقيق التواصل بين أطراف الأزمة من جانب وبينهما وبين دول العالم من جانب آخر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة