قمة تبدو استثنائية، تشهدها العاصمة الجزائرية، في مطلع نوفمبر المقبل، بين القادة العرب، من المحيط إلى الخليج، إثر تزامنها مع العديد من الأزمات المتواترة، والتي تحمل تداعيات مباشرة على المنطقة العربية، بدءً من الواقع العربي الداخلي، وفي القلب منه القضية الفلسطينية، والأوضاع في العراق وليبيا وسوريا، مرورا بصراع دولي تبدو ملامحه في أوكرانيا، بينما مرشح للتفاقم بصورة كبيرة، وحتى "الصراع مع الطبيعة"، على خلفية أزمة التغيرات المناخية، والتي قد تأكل الأخضر واليابس، إن لم يجد المجتمع الدولي حلولا جذرية لها، في المستقبل القريب، ناهيك عن حالة الفشل في تحقيق التعافي الكامل من مرحلة الوباء، والذى دفع نحو العديد من الأزمات الاقتصادية في العديد من مناطق العالم، بسبب فترات التوقف، التي أعلنتها الدول في إطار الإجراءات الاحترازية.
ولعل الملفت للانتباه، في أجندة القمة العربية المقبلة في الجزائر، هو ارتباطها بالعديد من الأحداث، لا تقتصر في نطاقها على منطقة الشرق الأوسط، كما كان عليه الحال في القمم السابقة، وإنما تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، عبر الخروج عن النطاق الإقليمي، على خلفية الصراع الدولي المتجدد بين روسيا والغرب، على الأراضى الأوكرانية، من جانب، بالإضافة إلى أزمة المناخ، والتي باتت تمثل أولوية دولية كبيرة، على المستوى العالمي، جراء تدهور الأوضاع البيئية في العديد من دول العالم، وهو ما يبدو في موجات الفيضانات والجفاف، والحرائق، التي طالت الشرق والغرب على حد سواء.
ويعد توقيت القمة بمثابة مفارقة مثيرة للانتباه، حيث تأتي بعد أسابيع قليلة من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، والتي ستشهد مناقشات هامة، في العديد من القضايا التي تمثل أولوية في أجندة القمة المرتقبة، وهو ما يمثل فرصة مهمة للبناء على ما قد يتم التوصل إليه من نتائج، من جانب، بينما ستلحق بها قمة المناخ، والمقرر انعقادها في مدينة شرم الشيخ، والتي ينصب فيها الاهتمام على قضية "الصراع مع الطبيعة"، وهي المسألة التي تحتاج إلى تقديم موقف عربي توافقي حولها، فيما يتعلق بمسألة تقليص الانبعاثات الكربونية، وإمكانية الاعتماد على الطاقة المتجددة، والعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والتي تمثل محور الخطة التنموية، التي تتبناها جامعة الدول العربية، ناهيك عما قد يدور من مباحثات بين الدول العربية، ونظرائهم حول العالم، حول القضايا الأخرى الملحة، وتداعياتها، سواء المرتبطة بالطاقة أو الغذاء، وإمكانية تحقيق أكبر قدر من المكاسب في المرحلة المقبلة، شريطة التوافق وتوحيد المواقف.
وحول التحديات التي تواجه القمة العربية، يقول الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، إن إنه لا توجد عقبات أمام إجراء القمة العربية المقبلة بالجزائر، مشيرا إلى انه تم تأجيلها عدة مرات بسبب جائحة كورونا، موضحا أن الاستعدادات جارية في الجزائر على أعلى مستوى من أجل القمة المقبلة.
ولو نظرنا إلى القضايا العربية، نجد أن القضية الفلسطينية مازالت تحظى بأولويتها القصوى، باعتبارها المحور الذي تدور حوله السياسات العربية منذ عقود طويلة من الزمن، وهو ما بدا في بعض الخطوات الرمزية، التي اتخذتها الجزائر، لتكون بمثابة رسائل ضمنية، من بينها تسليم الرئيس الفلسطيني محمود عباس أول دعوة لحضور القمة، أثناء زيارته للقاهرة، في انعكاس لمحورية فلسطين، إلى جانب الرعاية المصرية للقضية منذ بدايتها في الأربعينات من القرن الماضي.
بينما تبقى العديد من القضايا العربية الأخرى على درجة كبيرة من الإلحاح، أبرزها الأوضاع السياسية في العراق، وليبيا وسوريا، لتفرض نفسها بصورة كبيرة على القمة المقبلة، خاصة مع الحديث المتواتر حول إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة بعد سنوات من تجميد عضويتها، منذ أحداث الربيع العربي.
وفى هذا الإطار نفى زكى ما أثير حول اشتراط الجزائر مشاركة سوريا في القمة العربية، موضحا أن أنها كانت ترغب في مشاركتها لاعادة اللحمة العربية، وهو الأمر الذي لم يكن ممكنا تحقيقه بسبب غياب التوافق حول هذا الأمر بين الدول العربية.
إلا أن استثنائية القمة العربية المقبلة، تتجسد في تجاوزها للقضايا الإقليمية التقليدية، والتي تقيدت لسنوات بحدود منطقة الشرق الأوسط وقضاياها، لتتحول نحو العالمية، في ظل مستجدات كبيرة على الساحة الدولية، وفي القلب منها الأزمة الأوكرانية، وما تتركه من تداعيات كبيرة على دول المنطقة في المرحلة الراهنة، خاصة فيما يتعلق بقضيتي أمن الغذاء والطاقة، وهو ما يتطلب موقف عربي محايد، يتسم بقدر كبير من المرونة والحيادية، تجاه أطراف الصراع.
الموقف العربي، تجلى بوضوح مع اندلاع الأزمة الأوكرانية، عبر دعوة مصرية لانعقاد دورة غير عادية لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين، وتشكيل لجنة اتصال وزارية، وتضم مصر والجزائر والأردن والسودان والعراق بالإضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، والتي قامت بجولة شملت موسكو للقاء وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف وبولندا للقاء وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، من أجل القيام بدور وساطة، وهو الأمر الذي أثبت قدرا كبيرا من النجاعة، تجلت في حرص طرفي الأزمة على التواصل مع الدول العربية، حيث حرص لافروف على زيارة الجامعة العربية، ولقاء المندوبين الدائمين، بينما ألقت أوكرانيا كلمة عبر مبعوثها لشؤون الشرق الأوسط ماكسيم صبح أمام "بيت العرب"، في محاولة لتوضيح المواقف أمام الدول العربية.
من جانبه، أعرب لافروف عن تقديره للموقف العربي، خلال كلمته أمام الجامعة العربية، مشددا على انفتاح موسكو على الدول العربية خاصة وأن العلاقات بين الجانبين قائمة على الود والصداقة، كما كشف عن نية بلاده عقد المنتدى العربي الروسي في دورته السادسة في وقت قريب.
في حين تبقى المسألة المناخية، هي الأخرى أحد القضايا الملحة على أجندة القمة العربية المقبلة، في ضوء مسارين، أولهما تفاقم التداعيات الكبيرة لظاهرة تغير المناخ، والتي باتت تحمل تداعيات كبيرة على الأوضاع في العالم بأسره، وفي القلب منه المنطقة العربية، وهو ما يبدو بوضوح في حرائق الغابات التي تأكل الأخضر واليابس هنا وهناك، بالإضافة إلى موجات من الفيضانات في بعض المناطق، والجفاف في مناطق أخرى، بينما يبقى المسار الأخر مرتبطا بانعقاد قمة المناخ في مدينة شرم الشيخ، والذي سيعقد في 12 نوفمبر المقبل، أي بعد القمة العربية بأيام قليلة.
وهنا تمثل القمة العربية فرصة مناسبة لمناقشة القضية المناخية، للخروج بموقف عربي موحد تجاه القضية، خاصة مع المساعي المصرية الكبيرة، لتحقيق ما يمكننا تسميته بـ"التوافق المناخي"، قبل انطلاق القمة، على المستويين الإقليمي والجغرافي، سواء في منطقة الشرق الأوسط، أو على المستوى القارى في إفريقيا، خاصة مع التحرك المصري الدائم على العديد من المسارات، في هذا الإطار لضمان حقوق الدول النامية، مع الاحتفاظ بحق البيئة، لوأد "الصراع مع الطبيعة".
المسارات المصرية في هذا الإطار، تقوم في جزء منها على تعميم التجربة المصرية في محيطها الجغرافي، عبر اعتماد مشروعات تنموية صديقة للبيئة، مع القيام بدور وسيط مع دول العالم المتقدم، لدعم التنمية في الدول النامية، وذلك للاحتفاظ بحقوقها في هذا الإطار، مع الالتزام الكامل بمعايير تقليص الانبعاثات الكربونية، خاصة مع مواقف تحمل تراجعا في هذا الإطار من بعض الدول، على غرار الانسحاب الأمريكي من اتفاقية باريس خلال حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب، قبل العودة إليها مجددا مع دخول خليفته جو بايدن إلى البيت الأبيض، ناهيك عن محاولات العديد من الدول في أوروبا اللجوء إلى الفحم كمصدر للطاقة، لمواجهة أزمة النقص الكبير في مصادر الطاقة في الآونة الأخيرة، جراء الأزمة الأوكرانية، والقرارات الروسية بتقليص كمية صادراتها من الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي كرد على العقوبات المفروضة على موسكو من قبل دول القارة العجوز.
وهنا تكمن الأهمية الكبيرة التي تحظى بها القمة العربية المقبلة في الجزائر، حيث تتجاوز، في القضايا المعروضة على مائدتها، مجرد النطاق الإقليمي التقليدي، لتمتد إلى العديد من القضايا العالمية، في ظل حقبة تبدو فريدة، مع صعود العديد من القوى الدولية، وإثبات قدرتها على مزاحمة الولايات المتحدة على عرش النظام الدولي، تمهيدا لحالة من التعددية، من شأنها إنهاء الهيمنة الأحادية، التي سيطرت على العالم لعقود طويلة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، مع بداية التسعينات من القرن الماضي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة