فى ظل عولمة الاقتصاد وأدوات الاتصال والتواصل، تتداخل الأحداث، وعلى مدار ثلاثة عقود ظلت التحولات السياسية والاقتصادية تنعكس بالتأثير المباشر وغير المباشر على حياة البشر فى أطراف الكرة الأرضية، وحتى الحرب حول أوكرانيا، تبدو نتاجا لصراعات وتقاطعات ومنافسات حول النفوذ ظلت مكتومة، على مدى العقود. لدرجة القول من قبل بعض المحللين إن الوضع قبل حرب روسيا وأوكرانيا غير الوضع بعدها، وهو نفس ما سبق إطلاقه أثناء أزمة كورونا، حيث تم التأكيد أن العالم قبل الجائحة غيره قبلها من حيث التعامل أو أوضاع الاقتصاد والسياسات الصحية.
ورغم أن العالم يعيش طوال ثلاثة عقود فى تحولات كبرى على مستوى السياسة والاقتصاد، فإن العالم اليوم يعيش صراعا يتجاوز ما سبق طوال الفترات الماضية، تتداخل التأثيرات وتتقاطع، وتشير إلى إعادة تشكيل نظام عالمى غير واضح الملامح.
وهذا الواقع المعقد، يفرض على صانع القرار، المزيد من التحديات، فكل دولة عليها أن تتحرك وفق مصالحها، من خلال بناء قدراتها الذاتية، وتعويض أى نقص أو اختلال فى موازين الاقتصاد، وفى نفس الوقت تتعامل مع تحالفاتها الاقتصادية والتجارية، وكل هذا ضمن سياق إقليمى ودولى معقد، خاصة أن التشابك فى القضايا الإقليمية وخرائط الصراع والمنافسة، يضاعف من صعوبة الحكم على ما يجرى إقليميا ودوليا، أو استنتاج اتجاهات التحالف والتنسيق، ويصعب التعامل مع كل قضية إقليمية أو دولية أو تحد للأمن القومى بمعزل عن باقى القضايا.
وسط هذا الواقع الملتهب تتحرك الدولة المصرية بشكل مستمر وعلى خطوط متقاطعة وخيوط دقيقة، تتعامل مع التحولات الإقليمية والدولية بكل اتجاه، مع مراقبة مواقف الدول والتكتلات الكبرى، ضمن المصالح والمطامع والاستقطاب.
الدولة المصرية ترى ضرورة بناء علاقات عربية، تمثل فعلا، وليس مجرد رد فعل، خاصة أن الدول الكبرى مشغولة بمنافساتها ومصالحها، فضلا عن كونها تسعى لاستقطاب الدول والتكتلات فى صفها، ما يستدعى وجود مواقف عربية، يمكنها أن تتداخل لدفع المسارات السياسية، فى الدول الملتهبة، والسعى لحل سياسى فى ليبيا وسوريا واليمن والعراق، حتى يمكنها أن تستعيد الدولة، وفى نفس الوقت ترفع ضغطها على الأمن القومى العربى.
فى قمة جدة كان واضحا أن هناك خطابا عربيا يسعى لبناء فعل وعدم الاندفاع إلى صراعات ليست من أولويات ولا من مصالح الدول العربية، وفى خطابه حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى، على تأكيد محاور الاستقرار والدفع إلى المسارات السياسية، وإبعاد التدخلات، والمحافظة على استقرار الدول، فى ظل تهديدات وجودية تفرض نفسها، وأن يكون التعامل عربيا ومحليا من مواقف متماسكة ومستقلة، لصالح الشعوب العربية فى ظل تحولات تفرض تأثيرها على عالم أصبح يتأثر بما يجرى من صراعات وجوائح ومناخ غاضب.. الرؤية المصرية تنطلق من أهمية مواجهة حرائق السياسة، وحرائق المناخ، لتخطى وضع، هو الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة.
الدولة المصرية، من خلال خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى فى جدة، أو لقاءاته وجولاته فى أوروبا أو أفريقيا، تنطلق من السعى بتوازن مع أطراف الأزمات، وتقوم على تقليل التوترات، وإبعاد التدخلات الخارجية، ودعم المسارات السياسية فى مناطق التوتر، حتى يمكن تخطى تأثيرات هذا الصراع، على الغذاء والطاقة.
الدولة المصرية تتحرك بناءً على قراءة للملفات والسياقات السياسية والاقتصادية، ويؤكد الرئيس السيسى فى كل خطاباته وتحركاته أن الهدف هو الحفاظ على مصالح الدولة المصرية، ومواطنيها، وأيضا الحفاظ على المصالح العربية وتنسيق المواقف بأكبر قدر من الدقة، من خلال تحديد دقيق لخرائط التحرك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة