أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

حلف "المارقين"

الإثنين، 06 يونيو 2022 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما تمثل الأزمة الأوكرانية الراهنة، محطة مهمة، في مرحلة "مخاض"، يعيشها النظام الدولي، في الآونة الأخيرة، إثر صعود العديد من القوى الدولية، على قمة المشهد العالمي، على غرار روسيا والصين، واللذين باتا يمثلان أكبر منافسي واشنطن، في إطار الصراع الجديد، الذي يشهده العالم، في ظل إرهاصات عدة، تجلت ذروتها، مع الحرب التجارية التي أطلقتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على بكين، إثر اختلال التوازن التجاري بين البلدين، لصالح الصين، ومن قبلها مع حملات من العقوبات التي أطلقتها الولايات المتحدة، في ظل إدارة أوباما، ومن ورائها حلفائها الغربيين، على موسكو، ردا على ضم شبه جزيرة القرم، لتصبح الأزمة الأوكرانية، بمثابة حلقة جديدة، في مسلسل الصراع الجديد.
 
ولعل المتابعة الجيدة للأحداث وتواترها في السنوات الأخيرة، تكشف حالة من الارتباك بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة، في التعامل مع الخصوم، فنجد أن ثمة خلافا في أولويات الصراع الذى تخوضه واشنطن، بين موسكو، والتي كانت الأولوية القصوى لإدارة أوباما، والتي تعاملت مع الصين باعتبارها "منافس"، بينما كانت الخصومة الرئيسية مع روسيا من جانب، والصين التي اعتبرها ترامب بمثابة العدو الرئيسي لبلاده، في حين اتجه نحو مهادنة روسيا، إلى الحد الذي حاول خصومه السياسيون استغلاله عبر الترويج لاتهامات تصل إلى حد "العمالة" لصالح موسكو، في إطار حملات من التشويه استهدفته إبان وجوده في البيت الأبيض، واستمرت بعد خروجه منه، داخل أروقة المحاكم في الولايات المتحدة.
 
الارتباك الأمريكي لم يقتصر على الموقف من روسيا والصين، وإنما امتد إلى الكيفية التي تعاملت بها كل إدارة مع "الدول المارقة"، على غرار إيران، والتي توجه أوباما نحو مصالحتها، عبر اتفاق نووي، انسحب منه ترامب بعد ذلك بحوالي 3 سنوات، وكذلك كوبا، التي اختتم أوباما حقبته بزيارتها، بينما أعاد ترامب العلاقة معها إلى نقطة الصفر، عبر فرض عقوبات على هافانا من جديد، في حين تجلت كذلك تلك الحالة، في العلاقة مع الحلفاء، ففي الوقت الذي اعتمد فيه أوباما ألمانيا حليفا رئيسيا بين دول المعسكر الغربي، نجد أن ميول خليفته كانت نحو العودة إلى بريطانيا، ناهيك عن موقفهما المتعارض نحو العديد من "التابوهات"، على غرار الأمم المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي، وغيرهم، وهو ما يمثل ترجمة حقيقية لحالة أشبه بالتعارض بين سياسات الإدارتين في مواقفهما تجاه محيط دولي يشهد "إعادة هيكلة" بالمعنى الحقيقي في المرحلة الراهنة، مع صعود بعض القوى، وتراجع ملموس لبعضها الأخر
 
حالة الارتباك بين إدارتي أوباما وترامب، في التعامل مع خصوم واشنطن خلال الإدارتين السابقتين، ربما باتت الإدارة الحالية تجنى ثمارها، حيث باتت غير قادرة على العودة إلى مرحلة "ما قبل ترامب"، من خلال العودة بالعلاقات مع الخصوم والحلفاء، إلى حقبة أوباما، بينما تعجز في الوقت نفسه عن مواصلة نهج الرئيس السابق، في ظل المستجدات، خاصة على الساحة الروسية، والتداعيات الكبيرة، المترتبة عليها، فصارت بين مطرقة الخصومة الكاملة من قبل المنافسين الدوليين، وسندان انعدام الثقة من قبل الحلفاء، خاصة في دول أوروبا الغربية.
 
وهنا يصبح العالم أمام تحالفات جديدة تبدو مختلفة إلى حد بعيد، إذا ما قورنت بالصراعات الدولية السابقة، والتي ارتبطت تحالفاتها بأبعاد الجغرافيا، على غرار الحرب الباردة، والتي شهدت صراعا بين كتلتين أحدهما شرقية والأخرى غربية، أو بأبعاد حضارية، كما آت إليه الأمور في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، والتي كانت ترجمة عملية لنظرية "صراع الحضارات"، التي أرساها السياسي الأمريكي الشهير صموئيل هنتنجتون في التسعينات من القرن الماضي، بينما تختلف جذريا عن طبيعة الصراع في الحروب العالمية، التي قامت على أساس الأطماع الاستعمارية للقوى الحاكمة في تلك الحقبة، حيث يبقى الصراع الجديد على أساس العديد من المقاربات والمصالح الضيقة للدول، في إطار تشابه الظروف التي تشهدها العديد من القطاعات داخل المجتمع الدولي.
 
فلو نظرنا إلى خصوم واشنطن، ربما نجد أن العالم على أعتاب ما يمكننا تسميته بـ"تحالف المارقين"، ويشمل الدول الخاضعة للعقوبات الأمريكية، وعلى رأسها روسيا والصين، وهما بمثابة القوى الرئيسية في التحالف المحتمل، بينما يمتد ليشمل العديد من الدول الأخرى، على غرار إيران وكوريا الشمالية، وكوبا وفنزويلا، وغيرهم من الدول التي لا ترتبط بنطاق جغرافي محدد، وإنما ترتبط معا برابطة "العداء" تجاه واشنطن، إثر سياسة العقوبات التي انتهجتها بصددهم لسنوات طويلة، وهو ما يعكس طبيعة التحالف الجديد المناوئ للولايات المتحدة.
 
بينما تبقى هناك فرصة، من رحم الصراع الجديد، لإعادة إحياء مفهوم "عدم الانحياز"، في ظل ارتباط العديد من الدول بمصالح مع طرفي الصراع، سواء مع الولايات المتحدة، أو منافسيها، وهو ما يمثل فرصة لتشكيل تحالف جديد، على غرار الحركة التي تأسست في الستينات من القرن الماضي، ومازالت قائمة حتى الآن، وإن كانت قد توارى دورها إلى حد كبير منذ نهاية الحرب الباردة، في يصبح التحدى الأكبر أمام الولايات المتحدة متمثلا في الاحتفاظ بمعسكرها، خاصة مع تراجع الثقة بصورة كبيرة في المواقف التي تتخذها في السنوات الماضية.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة