لاشك أن من تمام نعم الله تعالي علي عباده المؤمنين أنه لا تنتهى نفحاته ورحماته وفيوضاته عليهم، فقد رزقهم بمواسم الخيرات ومنّ عليهم بشهر كريم أنزل فيه القرآن الكريم معجزة رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الخالدة، جمع الله فيه كل خصال الخير والبركة والسعة والرحمة والتعاون والإخاء والترابط، وما ذلك إلا ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ويعتق رقابهم من النار، ويكفر عنهم سيئاتهم ويضاعف لهم الحسنات، فالليالي التى نعيشها هذه الأوقات والمتبقية من رمضان هي خير الليالي على الإطلاق ألا هي ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم، فلقد من الله علينا بكرمه أن جعل لنا ليالي مباركات حيث تتنزل فيها النفحات وتتكاثر وتتعاظم فيها البركات ليتقبل الله أعمال عباده الطائعين الذين يبتغون فضله ورضاه.
وهو ما يستوجب علي المسلمين اغتنام مثل هذه الأيام والليالي المباركة لتقربهم من الله سبحانه وتعالي .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شَّد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله. متفق عليه .
ومن بركات هذه الليالي المضيئة والنيرة أن أنعم الله علينا فيها بليلة عظيمة ليلة ترتجى العبادة فيها خير من ألف شهر ألا وهي ليلة القدر ليلة الشرف والشأن العظيم بشر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بفضلها وفضل العبادة والعمل الصالح وجميع القربات فيها فقال : «قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» (أحمد: 8991، والنسائي: 2427). فهي ليلة عظيمه تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ، يحفها السلام
والاطمئنان والسكينة لطلوع فجرها الاغر الابلج ،ليلة خالية من الشر يكثر العباد الطائعين فيها من الطاعة وأعمال الخير والبر، وتكثر فيها السلامة من العذاب يقيد فيها الشيطان فهي سالمة كلها من الشر لا ينفذ فيها سحر ساحر، ولا تصدُق فيها كهانة كاهن،
ليلة أنزل فيها القران الكريم قال تعالي: "إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتي مطلع الفجر"
فيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب وله في ذلك الأجر من الله عز وجل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.
ولقد كثرت الآراء حول تحديد موعد هذه الليلة المباركة أي ليلة هي ليلة القدر، وعلى ما ذهب إليه الأكثرون- في العشر الأواخر في أوتارها؛ لما روي عن أم المؤمنين عائِشَةَ -رَضِيَ اللَّه عنْهَا-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» (البخاري: 2017).
وما ذهب إليه أكثر العلماء أن ليلة القدر ليلة ٢٧ من رمضان، مؤكدين أنه بالرغم من ذلك، لم يرد عن الرسول عليه الصلاة والسلام، أنه خص ليلة بعينها لتكون ليلة القدر، ليعظمّ اجتهاد الناس في طلبها، فيتعرض مَن يريدها للثواب الكثير بإحياء الليالي جميعها في طلبها، وهذا كإخفاء الصلاة الوسطى، واسمه الأعظم، وساعة الاجابة يوم الجمعة.
تلك الليلة التي تضيق الأرض فيها بالملائكة الذين يتنزلون فيها، فهم في ليلة القدر في الأرض أكثر من عدد الحَصَى – كما قال أبو هريرة (رضي الله عنه وأرضاه)-. (التبصرة لابن الجوزي 2/93)، ومن عظيم فضل هذه الليلة ، أن الله سمى سورة في القرآن بسورة القدر تتكلم عن هذه الليلة المباركة، وذكرها أيضا فى مطلع سورة الدخان وصفها الله عز وجل بأنها الليلة المباركة فقال إنا أنزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم، ( الدخان الإيتان ٣،٢) ، وتعد العلامة الكبرى لهذه الليلة هى علامة استثنائية ومميزة وظاهر لمن تعقبها، فهي علامة لا تظهر إلا بعد انقضائها وهى ظهور الشمس صبيحتها بيضاء لا شعاع لها، فقد روي عن أبي بن كعب في صحيح مسلم: "أنه قال: أخبرنا رسول الله ﷺ:أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها".
لذا يجب على الأمة أن تغتنم هذه الليالى باللجوء إلى الله، متجردين فيهن من جميع الأشغال والأعمال، مقبلين إلى طاعته، معترفين بذنوبهم وافتقارهم إليه، متوسلين إليه مخلصين في الخضوع والانكسار.
أحيوها بالصلاة، وقراءة القرآن، والتقرب إلى الله بالدعاء، والذكر والقيام والتهجد، والكلم الطيب
ادعوه بالعفو كما أُثر عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- تسأل رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ فيجيبها: قُولِي: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» (الترمذي: 3513).
فيجب علي كل مسلم ان يغتم هذه الليالي الطيبة النقية، وأن يحرص أن يكون من الرابحين والفائزين برضوان الله وعتق رقبته من النار إنها حقا ليلة مميزة لا تأتى إلا كل عام مرة حقا إنها ليلة مباركة فيها يفرق كل أمر حكيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة