أكرم القصاص - علا الشافعي

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 3 مارس 1811.. محمد على باشا ينزل إلى شوارع القاهرة لوقف عمليات النهب والقتل بعد تنفيذه مذبحة المماليك فى القلعة.. وسؤال: ما هو حكم التاريخ عليها؟

الخميس، 03 مارس 2022 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 3 مارس 1811.. محمد على باشا ينزل إلى شوارع القاهرة لوقف عمليات النهب والقتل بعد تنفيذه مذبحة المماليك فى القلعة.. وسؤال: ما هو حكم التاريخ عليها؟  محمد على باشا
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصر محمد على باشا على قتل جميع الأمراء المماليك وأتباعهم ليتخلص من شرهم، حسبما يذكر محمد فريد فى كتابه «البهجة التوفيقية فى تاريخ مؤسس العائلة الخديوية»، فنفذ مذبحة القلعة يوم 2 مارس 1811.
 
خطط الباشا لهذه المذبحة بسرية تامة، وفقا لعبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على»، مؤكدا أنه دعا أعيان المماليك إلى احتفال كبير بمناسبة تنصيب ابنه «طوسون» قائدا لحملة تتوجه إلى الحجاز، ولبوا الدعوة وتوجهوا فى أبهى زينة وأفخم هيئة، وبلغ عدد المدعوين نحو 10 آلاف شخص منهم 470 من المماليك وأتباعهم وكبار القوم، ومختلف الطوائف، وتناولوا الغذاء، وأطلقوا الغناء، حتى نادى المنادى برحيل الموكب، فعزفت الموسيقى وانتظم قرع الطبول، وبدأ الموكب فى السير منحدرا من القلعة إلى «باب العزب».
 
يضيف «الرافعى»: «لم يكد الجنود يصلون إلى هذا الباب حتى ارتج الباب الكبير بإغلاقه من الخارج فى وجه المماليك، وتحول الجنود بسرعة عن الطريق ليتسلقوا الصخور على الجانبين وأمطروا المماليك بالرصاص، الذين حاولوا الفرار لكن البنادق كانت تحصدهم من كل مكان بلا رحمة، حتى بلغ ارتفاع الجثث فى بعض الأمكنة إلى أمتار، وتمكن بعضهم من الوصول إلى «طوسون باشا» راكبا جواده منتظرا أن تنتهى تلك المأساة، فتراموا على أقدامه طالبين الأمان، ولكنه وقف جامدا لا يبدى حركة، وعاجلهم الجنود بالقتل».
 
أعقب المذبحة قيام جنود محمد على بعمليات ملاحقة ونهب، حسبما يذكر المؤرخ «عبدالرحمن الجبرتى» الذى كان معاصرا للحدث، قائلا فى الجزء السابع من موسوعته «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»: «عندما تحقق العسكر من حصول الواقعة وقتل الأمراء، انبثوا كالجراد المنتشر إلى بيوت الأمراء المصريين ومن جاورهم، طالبين النهب والغنيمة، فولجوها بغتة ونهبوها نهبا ذريعا، وهتكوا الحرائر والحريم، وسحبوا النساء والجوارى والخوندات والستات، وسلبوا ما عليهن من الحلى والجواهر والثياب، وأظهروا الكامن فى نفوسهم، ولم يجدوا مانعا ولا رادعا، وبعضهم قبض على يد امرأة ليأخذ منها السوار، فلم يتمكن من نزعها بسرعة فقطع يدها».
 
بقيت الأمور على هذا السوء حتى السبت 3 مارس، مثل هذا اليوم، 1811 بتأكيد «الجبرتى»، مضيفا: «أصبح يوم السبت والنهب والقتل والقبض على المتوارين والمختفين مستمر، ويدل البعض أو يغمز عليه، وركب الباشا «محمد على» فى الضحوة، ونزل من القلعة وحوله أمراؤه الكبار مشاة، وأمر بقتل اثنين من النهابين بقطع رؤوسهما، وفى نفس ذلك اليوم نزل «طوسون ابن الباشا» وقت نزول أبيه، وشق المدينة، وقتل شخصا من النهابين أيضا، فارتفع النهب وانكف العسكر عن ذلك، ولولا الباشا وابنه فى صبح ذلك اليوم، لنهب العسكر بقية المدينة، وحصل منهم غاية الضرر، وأما القبض على الأجناد والمماليك فمستمر».
 
يذكر «الجبرتى»، أن هناك الكثير من المماليك الذين كانوا يسكنون فى جميع الحارات والنواحى هربوا فى ذلك اليوم وخرجوا إلى قبلى، وبعضهم تزيا بزى نساء الفلاحين، وخرج ضمن الفلاحات التى يبعن «الجِلة» والجبنة وذهبوا فى ضمنهم، وفر من نجا منهم إلى الشام وغيرها، وأما كتخدا بك «المحافظ أو مساعد محمد على» فإنه لشدة بغضه فيهم ، صار لا يرحم منهم أحدا ، فكان كل من أحضروه ولو فقيرا هرما من مماليك الأمراء الأقدمين يأمر بضرب عنقه، وأرسل أوراقا إلى الأقاليم يأمر بقتل كل من وجدوه من المماليك بالقرى والبلدان، فوردت الرؤوس فى ثانى يوم من النواحى فيضعونها بالرميلة، وعلى مصطبة السبيل المواجه لباب زويلة.
 
يؤكد الجبرتى: «عدد القتلى فى هذه الحادثة أكثر من ألف إنسان، أمراء، وأجناد، وكشاف، ومماليك، صاروا يحملون رممهم على الأخشاب، ويرمونهم عند المغسل بالرميلة، ثم يرفعونهم ويلقونهم فى حفر من الأرض فوق بعضهم البعض، لا يتميز الأمير عن غيره، وسلخوا عدة رؤوس من رؤوس العظماء، وألقوا جماجمهم المسلوخة على الرمم فى تلك الحفر، فكانت هذه الكائنة من أشنع الحوادث التى لم يتفق مثلها».   
 
انتهت المذبحة وبقى حكم التاريخ عليها.. يسأل «جيلبرت سينويه» فى كتابه «الفرعون الأخير، محمد على» ترجمة «عبدالسلام المودنى»:  «هل يجب تذكير من يستنكر هذه العملية أنها تدخل بشكل طبيعى فى إطار ما كان معروفا فى الأعراف السياسية لذلك العصر ولتلك المنطقة؟.. فالصدر الأعظم والقبطان باشا قاما بمثل ذلك فى أبوقير والقاهرة فى أكتوبر 1801، وسيقوم السلطان محمود الثانى بعمل مشابه ضد الانكشارية فى استانبول سنة 1827، وقام بونابرت شخصيا فى مارس 1799 وتحت أسوار يافا بقتل حوالى ألفين وخمسمائة سجين دون أن يرف له طرف».. يستخلص «سينويه» من ذلك: «لم تكن مصر تتسع لسلطتين «المماليك ومحمد على» فكان على واحدة منهما أن تختفى».  









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة