المسرح أبو الفنون، وذلك لأن من رحمه خرجت جميع الفنون، الكتابة والموسيقى والرقص وغيرها من الفنون التى عرفها الإنسان، ولكن من أين جاء المسرح ذاته.
وحسب مقالة بعنوان تاريخ المسرح العالمى لـ جميل حمداوى، أكد فيها أن المسرح ظهر لأول مرة فى اليونان، وذلك فى القرن السادس قبل الميلاد، ويعد كتاب أرسطو (فن الشعر) أول كتاب نظرى ونقدى لشعرية المسرح وقواعده الكلاسيكية، وقد نشأ المسرح التراجيدى حسب أرسطو من فن الديثرامب الذى يمجد آلهة ديونيزوس بالأناشيد والتاريخ. وحسب الأسطورة يعد ثيسبيس أول ممثل بلور الفن الدرامى متقمصا دورا أساسيا فى القصة الديثرامبية وذلك فى القرن السادس قبل الميلاد، وكان مرنما كلما أنشد منولوجا ردت عليه الجوقة بما يناسب ذلك. وكانت هذه المحاولة البداية الفعلية للآخرين لتطوير المسرح نحو جنس أدبى مستقل.
ولم تعرف التراجيديا اليونانية أوجها إلا فى القرن الخامس قبل الميلاد، إذ ظهر أكثر من ألف نص تراجيدى، ولم يبق سوى واحد وثلاثين نصا فقط، وقد كتب هذه النصوص الدرامية كل من أسخيلوس وسوفكلوس ويوربيديس، وتتفق هذه التراجيديات فى بناء صارم يتمثل فى الصياغة الشعرية، وتقسيم المتن إلى فصول، وتناوب الحوار بين الشخصيات( أكثر من ثلاث شخصيات)، والجوقة التى تردد الأناشيد الشعرية، والقصص المأخوذة من الأساطير القديمة أو التاريخ القديم حيث يستوحى منها الشعراء الدراميون بكل حرية أسئلتهم السياسية والفلسفية.
وتقام المسرحيات فى أثينا إبان حفلات ديونيسوس: إله الخصب والنماء. وقد اعتاد اليونانيون أن يقيموا للآلهة حفلين: حفل فى الشتاء بعد جنى العنب وعصر الخمور؛ فتكثر لذلك الأفراح وتعقد حفلات الرقص وتنشد الأغانى ومن هنا نشأت الكوميديات. وفى فصل الربيع، حيث تكون الكروم قد جفت وعبست الطبيعة وتجهمت بأحزانها مما أفرز فن التراجيديا. وكانت تجرى مسابقات مسرحية لاختيار أجود النصوص الدرامية لتمثيلها بهذه المناسبة الديونيسوسية ذات الوظيفتين: الدينية والفنية. و لابد أن تفوز بهذه المسابقة ثلاثة نصوص تمثل وتعرض أمام المشاهدين، ومن شروطها أن تكون هجائية تسخر من الآلهات وتنتقدها.
وشهدت الكوميديا تطورا كبيرا منذ منتصف القرن الخامس قبل الميلاد. ومن أهم الكوميديين نجد أريستوفانوس بمسرحيته الرائعة( الضفادع)، وكانت الكوميديا تنتقد الشخصيات العامة وتسخر من الآلهات بطريقة كاريكاتورية ساخرة. وقد حلت الكوميديا محل التراجيديا فى القرن الرابع قبل الميلاد.
وانتشرت الثقافة الهيلينية فى أصقاع العالم بفضل غزوات الإسكندر الأكبر، وذاع صيت المسرح اليونانى بكل أنواعه وقضاياه وأبنيته الفنية.
وإذا تأملنا معمارية المسرح اليونانى وجدنا العروض المسرحية تقدم فى الهواء الطلق فى فضاء مسرحى دائرى محاط بمقاعد متدرجة من الأسفل إلى الأعلى على سفح الهضبة فى شكل نصف دائرة( المدرج)، ويحضره ما بين 15000و20000 من المشاهدين الذين كانوا يدخلون المسرح مجانا؛ لأن المسرح من أهم المقاطعات العمومية التى كانت تشرف عليها الدولة- المدينة ووسيلة للتوعية والتهذيب الدينى والتطهير الأخلاقي.
و يمثل على خشبتها المنبسطة ممثلون يلبسون ثيابا عادية مخصصة لكل دور درامى مناسب، كما كانوا يضعون على وجوههم أقنعة نشخص أدوارا خاصة، وكان الممثلون محترمين ولهم مكانة سامية فى المجتمع اليوناني. ويمتزج فى النص المعروض:الدراما الحركية والغناء والرقص والشعر؛ مما يقرب العرض من الأوبرا أكثر مما يقربه من المسرح الحديث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة