أكرم القصاص - علا الشافعي

ننشر نص المذكرة الإيضاحية لمشروع كود تغطية حوادث الانتحار

الأحد، 12 ديسمبر 2021 11:21 م
ننشر نص المذكرة الإيضاحية لمشروع كود تغطية حوادث الانتحار الكاتب الصحفى كرم جبر
كتب محمد السيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نشرت الجريدة الرسمية فى عددها الصادر اليوم، الأحد، القرار رقم 62 لسنة 2021 الصادر عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بتعديل لائحة الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام المؤسسات الصحفية والمؤسسات الإعلامية بأصول المهنة وأخلاقياتها، والحفاظ على حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بمحتواها والقواعد والمعايير المهنية الضابطة للأداء الصحفى والإعلامى والإعلانى والأعراف المكتوبة.

وينشر "اليوم السابع" نص المذكرة الايضاحية لمشروع كود تغطية حوادث الانتحار والتى جاءت كالاتى:

- وقعت حادثة مؤسفة بانتحار فتاة تبلغ من العمر 25 عامًا، بأن ألقت نفسها من الدور السادس بإحدى المراكز التجارية الشهيرة بشرق القاهرة، وشهدت هذه الواقعة تغطيات صحفية وإعلامية واسعة، فكانت هذه التغطيات بمثابة نقطة توقف دعت المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لمناقشة هذه الظاهرة وفهمها والتصدى لمواجهاتها من خلال اقتراح كود إعلامى جديد لتنظيم تغطية حوادث الانتحار ومحاولاته.

- أعدت المذكرة الايضاحية لهذا الكود متضمنة أسبابه والدوافع والدواعى لمناقشته واقراره.

العدوى السلوكية أو السلوك المعدى: المفهوم والأسباب:

- أظهرت الدراسات العلمية العلاقة الوثيقة بين التغطية الصحفية والإعلامية لحالات ومحاولات الانتحار، وزيادة عدد هذه الحوادث، مما دعا العديد من الدول إلى تبنى ضوابط تنظيمية لتغطية هذه الحوادث من الناحية الصحفية والإعلامية، بما يحد أو يمنع من تكرارها حماية للأفراد والمجتمع.

- وتفسير هذه العلاقة الوثيقة يرجع إلى ما يسمى فى علم النفس الاجتماعى "بالعدوى السلوكية" Beheviral contagin التى تعتبر شكلًا من أشكال "العدوى الاجتماعية" التى ينتشر فيها تكرار سلوك معين نتيجة تقليد الآخرين لهذا السلوك[1].

- وبالتالى فالعدوى السلوكية من الناحية العلمية هي: تقليد عفوى غير مرغوب فيه وغير واعى لسلوك شخص آخر، نتيجة تشابه فى بعض الظروف والملابسات، وتزيد احتمالات محاكاة هذا السلوك عند الاشتراك فى موقف أو مزاج أو ظروف معينة بين السلوك المنوذجى أو السلوك المعدى والتقليد اللا إرادى لهذا السلوك، من قبل شخص أو مجموعة من الأشخاص نتيجة تشابه الظروف.

تأثير فيرتر: المرجعة التاريخية للعدوى الانتحارية:

- ويرجع تفسير العدوى السلوكية تاريخيًا فى مجال الانتحار إلى واقعة حدثت عام 1774، حين قام أديب ألماني[2] بتأليف رواية اسمها (أحزان الشباب فيرتر)، وهى تحكى قصة شاب أحب فتاة جميلة لم تبادله نفس المشاعر وكانت مخطوبة لشخص آخر، وكانت الرواية شديدة الرومانسية والشاعرية، ووصف من خلال رسائل مطولة لأحد أصدقائه عن حبه المستحيل، ونظرًا لشدة تعلقه بها لم يتمكن من مواصلة حياته، وانتهت الرواية بانتحار الشاب فيرتر باطلاق النار على نفسه اقتناعًا منه بأن مثلث الحب هذا لن يُحل إلا بموت أحد أضلعه فقتل نفسه.

-وعند نشر الرواية قوبلت باحتفاء كبير فى المجتمع الأدبى الألمانى والأوروبى، ومن شدة مهارة الكاتب تعلق كثير من الشباب بطريقة حديث فيرتر وكلماته، واقتدوا بطريقة لباسه كما وُصف فى الرواية، وتلاحظ بعد نشر الرواية، انتشار حالات الوفاة والانتحار بين صغار السن بنفس الطريقة التى قتل بها فيرتر نفسه مرتدين نفس ملابسه، بل ووجدت الرواية بجوار بعض جثثهم، وزادت عدد حالات الانتحار حتى منعت السلطات الأوروبية طبع وتداول الرواية فى محاولة للحد من تاثيرها بشكل كبير.

- وبعد قرنين من الزمان قام أحد علماء علم الاجتماع[3] بإطلاق مصطلح "تأثير فيرتر" ليصف ظاهرة حالات الانتحار فى الفترات التى تعقب نشر الجرائد المشهورة خبرًا يغطى حالات الانتحار، ووصف ذلك بأنه "يعطى الضوء الأخضر لاولئك الذين لا يملكون القدرة على اتخاذ هذا القرار".

انتحار المشاهير: ازدياد حالات الانتحار بعد حادث "مارلين مونرو":

- أظهرت الدراسات العلمية الموثقة ارتفاع حالات الانتحار فى الولايات المتحدة الأمريكية على اثر انتحار الممثلة الأمريكية المشهورة مارلين مونرو عام 1962 بنسبة 12 %، وبالتالى اثبتت الدراسات التأثير الأكبر لحوادث انتحار المشاهير يكون تأثيرها أقوى 14 مرة من انتحار الأفراد العاديين، إذ لم تتمكن مارلين مونرو بكل شهرتها وثروتها وجمالها من تحمل الحياة !!.

العلاقة الطردية بين التغطية الإعلامية وزيادة حالات الانتحار:

-نخلص من ذلك وكما أظهرت جميع الدراسات العلمية أنه كلما زادت التغطية الصحفية والإعلامية لحوادث الانتحار واحتلت موقع الصدارة فى عناوين الاخبار، شهدت المرحلة الزمنية التالية لتلك التغطية ازديادًا فى عدد حالات الانتحار بالمحاكاة أو بالتقليد.

- كما أظهرت الدراسات العلمية الموثقة زيادة نسبة الانتحار فى الرجال عن النساء، وفى الشباب عن المسنين (مرفق بعض الإحصائيات المنشورة حول هذه المسألة)

المرجعية الدولية والمبادئ التوجيهية لتغطية حالات الانتحار:

-نشرت منظمة الصحة العالمية عدة تقارير حول ظاهرة الانتحار وضرورة الوقاية منها عالميًا، وذكرت فى أحدث تقرير لها أن عدد الوفيات بسبب الانتحار أقتربت من (800) ألف حالة سنويًا على مستوى العالم، وبالتالى فأنه يوجد شخص يفقد حياته بالانتحار كل (40) ثانية.

- وقد وضعت منظمة الصحة العالمية عددًا من الارشادات الإعلانية لتجنب الترويج دون قصد لحالات الانتحار، ولعل السبب فى ذلك أن منظمة الصحة العالمية قد أرجعت الانتحار فى الأساس للأمراض النفسية، وأنها مشكلة متعلقة إجمالًا بالصحة العامة.

-لهذا نجد أن عددًا كبيرًا من الدول خصصت أكواد إعلامية لتغطية حوادث الانتحار منها (الولايات المتحدة الأمريكية – كندا – الهند – نيوزيلاندا وغيرها).

- خصصت منظمة الصحة العالمية يوم (10) سبتمبر من كل عام كيوم عالمى للوقاية ومنع الانتحار للتضامن والتعاون فى مواجهة هذه الظاهرة الضارة.

الدور الإيجابى لوسائل الإعلام فى بناء الوعى وتثقيف الجمهور:

- أكدت الاحصائيات والدراسات العلمية أن وسائل الإعلام تؤدى دورًا إيجابيًا فى زيادة الوعى بالانتحار كقضية اجتماعية وصحية عامة، ويمكن لوسائل الإعلام تقليل مخاطر الانتحار من خلال اتباع الارشادات المهنية التى تدعم الحصول على المساعدة الطبية والارشاد عن أماكن توافرها، وعدم الدخول فى تفاصيل لا تفيد القاريء قد تؤدى إلى الترويج للظاهرة دون قصد، وهو ما يعبر عنه إعلاميًا (بعدم الافراط فى تحديد التفاصيل).

-كما يجب على وسائل الإعلام دومًا استغلال حوادث الانتحار لمناقشة العوامل والأسباب التى تؤدى لارتكاب هذا الفعل مثل تعاطى المخدرات والمشاكل النفسية.

قضية الانتحار ليست قاصرة على المجتمع المصرى بل هى ظاهرة عالمية:

-سبق أن أوضحنا أن العدوى السلوكية مرتبطة بالطبيعة البشرية وسيكلوجية الحشود ولا ترتبط بجنس معين أو دولة معينة، ولكن كلما كانت وسائل التواصل والاتصالات أسهل كلما سهل انتقال المعلومات والأخبار حول الانتحار، وبالتالى زاد احتمال المحاكاة والتلقيد العفوى من الفئات الأكثر ضعفًا ويحتمل تأثرها بشكل أكبر بمسألة الانتحار.

-أيضًا اثبتت الدراسات العلمية التى قامت بها منظمة الصحة العالمية أيضًا أن الانتحار فى أقليم شرق المتوسط أقل بكثير من الأقاليم الأخرى التى رصدتها منظمة الصحة العالمية، وذكرت المنظمة أن سبب هذا الانخفاض يرجع إلى المعتقدات الدينية والعادات الاجتماعية والثقافية تجاه الانتحار ومحاولاته.

هل يتم وضع كود منفصل للتعامل الإعلامى لحوادث الانتحار أم ضمن الأكواد التى تتعامل مع الجريمة والسلوك الضار بشكل عام؟

-لاحظت الأمانة العامة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أن بعض الدول عندما تنظم مسألة التغطية الإعلامية للانتحار لا تفرد له كودًا مستقلًا بل تنظمه ضمن أكواد تغطية الجرائم والأفعال الضارة Crime and Harm وإبراز مثال على ذلك المملكة المتحدة OFCOM.

-لكن الملاحظ أيضًا أن الغالبية العظمى من الدول تقوم بافراد كود مستقل لهذه الظاهرة نظرًا لخطورتها أولًا، ولأنها تتحمل من القيود الإعلامية والصحفية أكثر من غيرها من القضايا، وهذا مبرر بالطبع لأجل حماية النفس البشرية وحماية الحق فى الحياة.

ولهذا يمكن القول إجمالًا بان السلوك الصحفى والإعلامى القويم فى تغطية حالات الانتحار يقتضى الموازنة الدقيقة بين اعتبارات الحق فى نقل المعلومات المتفرعة من حق الرأى والتعبير وخطر تشجيع تقليد السلوك الضار المتفرع من الحق فى الحياة والحفاظ على النفس البشرية.

الهوامش

[1] وهذا يفسر على سبيل المثال كثيرًا من حالات البيع الجماعى للأسهم وسحب الودائع من البنوك نتيجة انتشار بعض الشائعات.

[2] الأديب الألمانى يوهان فون غوته (1774).

[3] دكتور/ ديفيد فيلبس. أستاذ علم الاجتماع. جامعة كاليفورنيا. الولايات المتحدة الأمريكية.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة