توجه السفير محمد إبراهيم كامل إلى منزل والدته فى حى الزمالك، ثم عاد إلى منزله بحى المهندسين، حوالى الساعة الخامسة والنصف مساء يوم 24 ديسمبر، مثل هذا اليوم 1977، فوجد البيت مليئا بأفراد العائلة والأصدقاء، وهم فى حالة انفعال، حسبما يذكر فى مذكراته «السلام الضائع».
أخبرته زوجته بأن الراديو والتليفزيون المصريين أذاعا نبأ تعيينه وزيرا للخارجية، بعد استقالة الوزيرين، إسماعيل فهمى يوم 17 نوفمبر 1977، ثم خليفته محمد رياض بعد 6 ساعات من إعلان قرار تعيينه، احتجاجا على مبادرة السادات بالسفر إلى إسرائيل يوم 19 نوفمبر 1977، مما اضطر السادات إلى تعيين الدكتور بطرس غالى وزير دولة للشؤون الخارجية، كى يصطحبه معه فى الزيارة إلى إسرائيل، وكانت محطة البداية نحو توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجين.
كان محمد إبراهيم كامل يشغل منصب سفير مصر فى ألمانيا الغربية «قبل توحد ألمانيا شرقية وغربية»، يذكر أنه تصادف وجوده فى القاهرة للإعداد لزيارة مستشار ألمانيا هلموت شميدت إلى القاهرة لمدة يومين، تبدأ يوم 27 ديسمبر 1977، تعقبها إجازة يقوم فيها «شميدت» وبصحبته زوجته بالسفر على باخرة نيلية إلى أقصى صعيد مصر، لزيارة مناطق الآثار المصرية القديمة فى الأقصر وأبوسمبل، وقضاء فترة للراحة فى أسوان.
وفيما كان «كامل» منهمكا فى ترتيبات زيارة الضيف الألمانى، تلقى خبر تعيينه وزيرا للخارجية، ويكشف فى مذكراته:«تلقيت فى البداية هذا النبأ بدهشة لم تلبث أن حل محلها شعور بالغضب، بسبب إهمال السادات لأخذ رأيى فى تولى هذا المنصب، خاصة فى الظروف الدقيقة وغير العادية التى خلفتها مبادرته بالسفر إلى إسرائيل، وزادنى غضبا أننى شعرت بأنى وقعت فى فخ لا فرار منه، إذ كان من المستحيل علىّ بعد أن أذيع النبأ على العالم كله أن أرفض المنصب، أو أستقيل منه حتى قبل أن أتولاه، لاعتبارات تتعلق بعلاقتى الشخصية بالسادات، التى ترجع إلى أكثر من ثلاثين عاما، ولاعتبارات وطنية من الناحية الثانية، إذ إن رفضى للمنصب بعد إعلان تعيينى سيظهر كحلقة جديدة فى سلسلة الاستقالات، التى بدأها إسماعيل فهمى وتبعه محمد رياض، ويوجد انطباع سيئ يشكل لطمة للسادات تمس اعتباره الأدبى».
كان كامل والسادات يرتبطان بعلاقة منذ اتهامهما سويا فى قضية اغتيال أمين عثمان باشا، وزير المالية، التى نفذها «حسين توفيق» بإطلاق الرصاص عليه يوم 5 يناير 1946، وقضيا سويا نحو 7 أشهر فى زنزانة واحدة بسجن مصر العمومى، حتى تقرر الإفراج عن كامل بكفالة، فى حين بقى السادات فى السجن طوال فترة المحاكمة التى استغرقت عامين، وانتهت ببراءتهما عام 1948، ويؤكد كامل أن إنكاره التام بأى صلة له بالجماعة، التى نفذت عملية الاغتيال، وإنكاره بمعرفة السادات، كان من أهم العوامل التى ساعدت على تبرئتهما.
كان «كامل» شرها فى التدخين، ولم ينجح فى الإقلاع عنه رغم نصائح الأطباء، مما أرهقه صحيا، ولذلك لم تسترح زوجته لقرار شغله منصب الوزير، غير أن الأحداث كما يقول:«لم تترك لى وقتا للتأمل أو السخط، فلم تكد تمضى نصف الساعة حتى رن التليفون، وكان المتكلم ممدوح سالم، رئيس الوزراء، الذى هنأنى بسلامة الوصول من ألمانيا، ورجانى أن أتوجه لمقابلته فى مقر مجلس الوزراء».
كان ممدوح سالم ممن يصفهم «كامل» بصفات طيبة، قائلا:«جنتلمان، مهذب، يتمتع بالنزاهة والإخلاص فى عمله»، وأدى ذلك إلى أن يعبر له عما يشعر به من ضيق، جراء هذا التعيين دون استطلاع رأيه، فرد سالم عليه: «أقدر ذلك، ولكن الموقف على كل حال لا يحتمل إلا القبول»، وأضاف سالم:«الرئيس السادات تكلم عنك فى مناسبات عديدة أمامى ممتدحا كفاءتك ووطنيتك، وأنا أشاركه فى هذا الرأى».
يواصل كامل سرد ذكرياته، قائلا: إنه عاد إلى منزله فدق جرس التليفون، وكان المتحدث هذه المرة محمد حسنى مبارك، نائب الرئيس، الذى هنأه وطلب منى الاستعداد للسفر معه صباح اليوم التالى «25 ديسمبر» بالطائرة إلى الإسماعيلية، حيث يقيم السادات لمقابلته ثم المشاركة كوزير للخارجية فى مباحثات الإسماعيلية، المقرر عقدها فى الساعة الـ11 صباحا بين الوفد المصرى برئاسة السادات، والوفد الإسرائيلى برئاسة مناحم بيجين.
يعلق كامل:«أغلقت سماعة التليفون وأنا أشعر بحالة انعدام الوزن».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة