قدّم ميريل براون، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "نيوز بروجيكت" الأمريكية المتخصصة في دعم رواد الأعمال والمستثمرين الجدد في مجال الأخبار، رؤيته حول مستقبل صناعة الأخبار في ضوء التجربة الأمريكية خلال العام 2020 وفي ظل تداعيات أزمة كوفيد-19 العالمية، وذلك خلال منتدى الإعلام العربي التي أُقيمت دورته التاسعة عشرة اليوم (الأربعاء) افتراضياً في دبي تحت رعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وبحضور الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس دبي للإعلام، وبمشاركة عن بُعد ضمت لفيفاً من الساسة والقيادات الإعلامية من المنطقة والعالم.
ميريل براون
وقال براون إن العام 2020 كان بلا شك عاماً مضطرباً وحافلاً بالتحديات وصعباً بصفة خاصة بالنسبة للإعلام؛ إذ تسببت الظروف التي شهدها العالم في هذه السنة في إغلاق العديد من الصحف حول العالم، في الوقت الذي واجه فيه الإعلام الأمريكي المحلي ضغوطاً اقتصادية وتحريرية هائلة.
وتطرق الخبير الإعلامي الذي تقلد سابقا منصب مدير كلية الإعلام والاتصال الجماهيري في جامعة مونتكلير الأمريكية، إلى مقالة كتبها لصالح شبكة "سي إن إن" الإخبارية العالمية مع بدايات الجائحة، وتحديداً عقب شهر من اندلاعها، والتي أثارت جدلاً كبيراً نظراً للنغمة المتشائمة التي صبغت تلك المقالة حول مستقبل الإعلام، والتي خلُص فيها إلى أن الاستهلاك الإعلامي سيشهد تحولا جذرياً في أنماطه، فيما تناول ضمن المقال التأثيرات السلبية الكبيرة المتوقعة للجائحة على صناعة الأخبار، وكذلك مجتمع صناعة السينما في هوليوود، فضلا عن التأثيرات السلبية على قطاع الدعاية والإعلان، والصحف وغيرها من أنشطة متعلقة بقطاع الإعلام والترفيه.
تطورات جذرية
وتركزت الفكرة الأساسية للمقالة، على أن العالم سيشهد تقلصاً واضحاً في أعداد وسائل الإعلام التقليدية، وأن عمليات الدمج التي سيشدها العالم خلال فترة ما بعد كوفيد-19 ستحد من فرص الأصوات الإعلامية التقليدية، فيما ستكون الأزمة سبباً في بزوغ نجم وسائل إعلامية جديدة لاسيما من خلال المنصات الرقمية التي تتناول أخبار وتطورات المدن والمجتمعات، إلا أن الفترة التي ستفصل بين اختفاء وسائل الإعلام التقليدية واستبدالها بالمنصات الرقمية الجديدة ستجعل المتلقي في حالة أشبه بالاعتماد على الذات في الإلمامبالمتغيرات المحيطة به والتحقق من الأخبار.
وقال إن جانباً من الفكرة الرئيسة التي دارت حولها تلك المقالة انصب على تنامي أهمية العديد من المنصات الرقمية مثل، "أبل" و"أمازون" و"نتفليكس" والتي رأى أنها ستشكل جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للمجتمعات الإنسانية، خاصة في الفترة التي سيلتزم فيها الناس بالبقاء طويلاً في منازلهم وسيكون من الصعب فيها الاعتماد كلياً على مصادر الأخبار المحلية لتكوين آراء واضحة حول التطورات العالمية المحيطة.
وأشار براون إلى أن هناك بعض الجزئيات التي لم يتنبأ بها في مقالته، ومنها التطورات السريعة التي شهدها المجتمع الأمريكي خلال الأشهر الثمانية الماضية، وما صاحبها من ظواهر مثال تبعات أمور بسيطة تتعلق بالإجراءات الوقائية مثل الكمامات والتباعد الاجتماعي، في خلق حالة من الجدل أدى بدوره إلى زرع أسباب الفرقة والانقسام بين أفراد المجتمع الأمريكي وغيره من مجتمعات الشعوب الأخرى حول العالم.
كما أقر براون بأنه لم يتوقّع هذا القدر الكبير من المعلومات غير الدقيقة التي ستحملها مؤسسات إعلامية عالمية كبرى وعبر منصات التواصل الاجتماعي، وأثرها في خلق موقف لم تنجح الإدارة الأمريكية في التعامل معه بصورة تمتاز بالكفاءة، لاسيما مع إخفاقها في مواجهة الفيروس والحد من انتشاره، ما أدى إلى وفاة نحو 300 ألف شخص هناك، في ظل تطبيق بروتوكولات طبية وصحية هزيلة، مُحمِّلاً الإعلام الأمريكي جانباً كبيراً من المسؤولية تجاه هذا التردي في التعامل مع الأزمة، بتغاضيه عن إخفاقات الإدارة الأمريكية في هذا الصدد وغيرها من التحديات على مدار السنوات الأربع الماضية.
وكال ميريل براون الاتهامات إلى إعلام بلاده الذي وصفه بأنه لم يمارس ضغوطاً كافية على إدارة الرئيس دونالد ترامب، ولا القطاع الخاص ولا الجامعات وغيرها من القطاعات، من أجل الاستثمار في التعليم العام وتثقيف المجتمع حول الممارسات الآمنة، وتقبُّل اللقاح الجديد الذي تم التوصل إليه مؤخراً، مؤكداً مسؤولية الإعلام عن تعريف الناس بهذا اللقاح تعريفاً واضحاً وشاملاً يضمن إلمام المجتمع بقيمته وأثره في مكافحة الوباء العالمي الخطير.
ولكن براون رأى أنه رغم الأوضاع الصعبة التي خلفها فيروس كورونا المستجد، إلا أن هناك دائماً ضوء في نهاية النفق، وأشار إلى إن صناعة الأخبار في تطور مع تصاعد مؤشرات استهلاكها، ما يمنح العاملين في هذا المجال المزيد من الأمل في مستقبله والفرصة للتعاطي مع أشكال جديدة من الأخبار.
وقال المتحدث إن صُنّاع الأخبار أصبحوا الآن أكثر تجاوباً مع منتجات جديدة وأكثر تقبلاً للمبادرات المستحدثة، لاسيما مع تنامي الاهتمام بالأخبار المحلية، فيما أصبح عموم الناس أكثر استعداداً عما ذي قبل لدفع مقابل مادي للحصول على الأخبار، مستشهداً بإحصاء يقول إن 30% من الأمريكيين أصبحوا على استعداد بعد انتشار جائحة كوفيد-19 لدفع مقابل مادي للحصول على أخبار موثوقة يمكن الاعتماد عليها، منوهاً أن ما يثير الانتباه هو أن النسبة الأكبر من هؤلاء المستعدين للدفع مقابل الأخبار هم من الشباب، حيث أن حوالي 53% من الفئة العمرية التي تتراوح بين 18 إلى 24 عاماً هم الأكثر إقبالاً على ذلك مقابل نسبة لا تتعدى 15% للفئة العمرية التي تزيد على 55 عاماً، ما يعطي مؤشراً إيجابياً لآفاق صناعة الأخبار في المرحلة التي يمر بها العالم حالياً، وهو ما ستثبته التطورات خلال المرحلة المقبلة.
وأشار إلى وجود العديد من المبادرات الداعمة لصناعة الأخبار حول العالم، وضرب مثالاً بـ "مشروع الصحافة الأمريكية" والذي يساهم في جمع مئات الملايين من الدولارات لدعم هذه الصناعة، كما أن هناك أدوات وتقنيات أفضل تدعم رواد الأعمال المتخصصين في هذا المجال.
وعلى الجانب السلبي من تطورات المشهد الإعلامي الأمريكي، نوّه ميريل براون أن نحو 25% من الصحف الأمريكية أغلقت أبوابها منذ العام 2004، وأن هناك العديد من المجتمعات المحلية في أمريكا تفتقر تماماً إلى أي شكل من أشكال التغطية الإخبارية، فيما بلغ عدد الوظائف التي تم فقدها في مجال الأخبار منذ بداية الجائحة إلى نحو 36 ألف وظيفة، مؤكداً الحاجة إلى حلول جديدة تدعم هذه الصناعة الحيوية وتعزز فرصها في المستقبل على المديين القريب والبعيد.
وقال إن هذه الفترة هي من أصعب الفترات للحصول على معلومات دقيقة وموثوقة، مع استمرار الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية، ومواصلة الناس للبحث عن مصادر جديرة بالثقة للتعرف على تطورات الموقف على الأرض، لاسيما مع اقتراب موسم العطلات حيث يظل الوضع صعباً على الرغم من بدء توزيع اللقاح في مناطق مختلفة من العالم.
وشدد براون على أهمية حشد الجهود والإمكانات من أجل دعم غرف الأخبار وإبقائها "على قيد الحياة" على حد تعبيره، بإيجاد آليات تمويل جديدة خاصة مع تنامي تقبُّل المتلقيلفكرة سداد مبالغ مالية مقابل الحصول على الأخبار، فضلاً عن الحاجة إلى اتباع أسلوب مغاير في التغطيات الإخبارية بإشراك الناس في الخبر عوضاً عن الأسلوب التقليدي القديم في تقديم فقرات إخبارية مطولة محشوة بالتفاصيل، وتشجيع رواد الأعمال على الاستثمار في مجال العمل الإخباري، مع الحاجة لإطلاق العنان للأفكار الجديدة، وتثقيف المجتمع حول كيفية التحول إلى نماذج استهلاك أفضل للمعلومات والأخبار، مشيراً إلى جهود بعض الجامعات والمنظمات غير الربحية في هذا الخصوص، في الوقت الذي لم يبذل القائمون على صناعة الأخبار جهداً كافياً في ذلك الاتجاه.
وتنبّأ الإعلامي الأمريكي ميريل براون أن الأوضاع التي جلبتها جائحة فيروس كورونا المستجد، لاسيما التأثيرات الاقتصادية السلبية التي نجمت عنها، ستعجل بإعادة تشكيل المشهد العام الخاص بصناعة الأخبار حول العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة