قال السفير أحمد إيهاب جمال الدين مساعد وزير الخارجية لشئون حقوق الإنسان، إن موضوع حقوق الإنسان يشكل أحد أهم القضايا التى تشغل العالم أجمع، لكونها الركيزة الأساسية التى تبنى عليها الأمم، والمقياس الحقيقى لمقدار رقيها وإيمانها بالديمقراطية، واحترام الحريات الفردية والجماعية، مضيفًا أن حقوق الإنسان ليست موضوعا مستجدا كما يعتقد البعض، وليست أيضًا وليد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان لسنة 1948، بل هى نتاج لتطور التاريخ الإنسانى أسهمت فيه كافة الأمم والحضارات.
وأضاف السفير أحمد ايهاب جمال الدين، خلال كلمة له بالندوة التى تنظمها مكتبة الإسكندرية تحت عنوان: "حقوق الإنسان والمعايير المزدوجة"، أن حقوق الإنسان باتت تحتل مرتبة متقدمة ضمن الأولويات الوطنية لكافة دول العالم، وأن جميعها يسابق الزمن لتحقيق النقلة النوعية التى تستجيب لتطلعات الشعوب فى حياة حرة كريمة، وكفالة كافة الحقوق والحريات الأساسية، وصياغة السياسات والخطط الوطنية الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف، وتعزيز فاعلية منظوماتها الوطنية لحقوق الإنسان، وانشاء الآليات التي تسمح أولا بأول بالتصحيح الذاتى وتطوير الأداء على أرض الواقع، وتوفير آليات انتصاف فعالة وناجزة، مشيرًا إلى أن مصر جزء من هذا التوجه الدولى العام، وأن جهودنا نابعة من قناعاتنا الوطنية الذاتية بأهمية حقوق الإنسان، وانطلاقا من مشاركتنا المجتمع الدولى حق الملكية لمنظومة القيم والمبادئ، والقواعد القانونية الحاكمة المتمثلة فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
وتابع: "فنحن كنا من بين من صاغوا هذه الوثائق الإساسية، وبالتالى فإننا كغيرنا حريصون على وضع قواعدها موضع التنفيذ الفعال فى ظل احترم ثوابتنا القيمية والحضارية، ولا يأتى ذلك نتيجة لضغوط خارجية، وإنما حرصا منا على تحقيق آمال وتطلعات شعبنا، مستلهمين تاريخ نضاله وتضحياته فى سبيل بناء الدولة المدنية الحديثة، دولة سيادة القانون والمواطنة والمساواة بين كافة أفراد المجتمع دون تمييز، تلك الدولة التى تليق بمكانة مصر بين الأمم وإسهاماتها فى حركة التطور البشرى العالمى، نحن نسعى جاهدين لتحقيق آمال الشعب المصرى مرتكزين في ذلك على دستور 2014 الذى يؤسس لدولة عصرية، والذى تضمن ضمانات دستورية غير مسبوقة، وفى سبيل تفعيل نصوصه تقوم الدولة بكافة مؤسساتها بالعمل على ترجمتها إلى تشريعات ونحرص على أن يكون الأداء العام ملتزما بالدستور والقانون ومتسقا معهما، وتحرص الدولة على إعطاء دفعة لمنظومة حقوق الإنسان الوطنية بكل مكوناتها سواء الحكومية أو غير الحكومية وصولا لتحقيق النقلة النوعية المطلوبة، وأشير فى هذا الإطار إلى الدور الكبير والمستقل للمجلس القومى لحقوق الإنسان، وللدور الهام الذى تضطلع به لجنة حقوق الإنسان فى مجلس النواب، ويندرج ضمن هذا التوجه الإصلاحى إيمان راسخ بأن المجتمع المدنى شريك للدولة فى عملية التنمية الشاملة، وأن له دور كبير جنبا الى جنب مع مؤسسات الدولة فى تحقيقها وفى تعبئة كل الطاقات والاسهام فى بناء المستقبل الزاهر الذى نصبو اليه".
ولفت إلى أن الدولة المصرية تؤمن ايمانا راسخا بأهمية حقوق الإنسان، وتسابق الزمن لتحقيق آمال شعبها وللوفاء بالتزاماتها التعاهدية الدولية، كما تبذل جهودا حثيثة لتطوير منظومتها الوطنية لحقوق الإنسان بكافة مكوناتها الحكومية وغير الحكومية وصولا لتحقيق النقلة النوعية المطلوبة، موضحًا أنه كان من أهم المنجزات التى تحققت الطفرة الكبيرة التي شهدتها مصر في مجال أعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحقوق المرأة والطفل وذوى الإعاقة، والنقلة النوعية فى مجال تعزيز حقوق المواطنة والحريات الدينية ومكافحة التطرف، وصدور قانون الجمعيات الأهلية رقم 149 ولائحته التنفيذية، بالإضافة إلى إنشاء لجنة عليا دائمة لحقوق الإنسان برئاسة وزير الخارجية أسند اليها وضع استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، وأنه جارى حاليا الانتهاء من تنقيحها والتشاور بشأنها مع المجتمع المدنى وصولا لعرضها على جهات الدولة لاعتمادها.
وأشار السفير أحمد ايهاب جمال الدين إلى أنه بصدور تلك الاستراتيجية، تنضم مصر إلى قرابة 35 دولة قامت باطلاق مثل هذه الاستراتيجيات بما يعكس الجدية التى توليها الدولة للارتقاء بحقوق الإنسان وفق منظور وطنى شامل، وأنه لا يمكن لأى مجتمع أن ينهض ويحقق طموحاته سوى من خلال شراكة بناءة بين الدولة والمجتمع المدنى، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، وتضافر جهودهما هو الكفيل بتحقيق النقلة النوعية المبتغاة. كما تقوم المجالس القومية الثلاثة للمرأة، والطفولة والأمومة، والأشخاص ذوى الإعاقة بأدوار هامة وملموسة فى تعزيز حقوق الإنسان فيما يتصل بمجالات عملهم.
وأوضح أن الارتقاء بحقوق الإنسان فى كافة دول العالم عملية مستمرة ومتواصلة، لم تحقق فيها أى دولة الكمال. فجميع الدول، بلا استثناء، لديها تحديات من نوع أو آخر، وجميعها يخضع لعملية المراجعة فى إطار آلية الاستعراض الدورى الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان فى جنيف، وجميعها يخضع لمناقشة اللجان التعاهدية للاتفاقيات الدولية لتقاريرها الوطنية، وبالتالى جميعها لديها سلبيات مازالت تحتاج إلى تصويب. الفيصل هو وجود توجه عام للدولة فى الاتجاه السليم وإرادة سياسية للبناء على الإيجابيات وللتغلب على أى سلبيات ومصر بالقطع جزء من هذا التوجه الدولى العام. نحن نتحدث اللغة الدولية لحقوق الإنسان، ونقوم من تلقاء أنفسنا، وبقناعة ذاتية، باتخاذ الإجراءات المطلوبة للارتقاء بها، باعتبار حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من عملية التنمية الشاملة التى يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية".
واستطرد: "لا شك أنه مازال أمامنا - مثل كافة دول العالم - الكثير الذى نطمح لتحقيقه فى مجال حقوق الإنسان. قد نواجه أحيانا تحديات أو صعوبات، إلا أننا نتعلم منها بحيث نقوم بتصويب مسيرتنا أولا بأول، متطلعين للمستقبل الذى نبنيه للأجيال المقبلة. من ثم تأتى أهمية بناء ثقافة حقوق الإنسان، وإدماج حقوق الإنسان فى المناهج التربوية، وبناء المؤسسات وتطوير القائم منها لتعزيز الاداء، وتكوين كوادر من المتخصصين فى مجال القانون الدولى لحقوق الانسان القادرين على مخاطبة العالم بلغته، ليس المهم من اين نبدأ ولكن المهم هو اتجاه حركتنا وتوافر الإرادة السياسية والمجتمعية الاكيدة للمضى قدما في الطريق الصحيح. فلا يوجد اى مجتمع خال من التحديات والصعوبات، وكل تجربة بشرية معرضة للصواب او للخطأ فى بعض جوانبها والحديث فى مجال حقوق الانسان مع كافة الشركاء انما هو طريق ذو اتجاهين لا مجال فيها لأحد ان ينصب نفسه فى موضع يحاسب الاخرين او يعطيهم الدروس".
وشدد أحمد إيهاب جمال الدين على أنه لابد من إدراك أن فهم السياق العام لجهود الدولة المصرية فى مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان يعد أمراً ضرورياً لتقييم تلك الجهود، ولفهم طبيعة ونطاق التحديات ذات الصلة ومن ثم تحديد أفضل السبل لمواجهتها، متابعا :"غنى عن البيان، فقد تأثر الوضع الأمني فى مصر بشكل مباشر بالأزمات المزمنة فى منطقة الشرق الأوسط التى تشهد موجات متتالية من العمليات الإرهابية وانتشار الفكر المتطرف وحروباً أهلية وكذلك موجات من التهجير والنزوح الجماعي، كما تعرضت مصر فى أعقاب ثورتى يناير 2011 ويونيو 2013 لتحديات أمنية خطيرة ولعدد كبير من العمليات الإرهابية التى تسببت فى خسائر بشرية ومادية هائلة، في ظل هذه الظروف، بذلت مصر جهوداً كبيرة لاستعادة الأمن ولتحقيق الاستقرار من خلال تكثيف إجراءاتها لمكافحة الإرهاب. والتحدي الماثل أمامنا كغيرنا من الدول هو تحقيق التوازن بين هذه الإجراءات الضرورية من ناحية وبين حماية الحقوق والحريات السياسية والمدنية من ناحية أخرى وهو التوازن الذى نسعى إلى تحقيقه من خلال تطبيق الضمانات الدستورية والقانونية القائمة".
ونوه إلى أن الارهاب يهدد حق الإنسان في الحياة وبالتالي أعمال كافة الحقوق سواء كانت سياسية ومدنية او اقتصادية واجتماعية وثقافية، مضيفا أنه من الطبيعى أن تسعى الدولة لتحقيق الاستقرار باعتباره أول خطوة ضرورية تسمح بإعمال مختلف حقوق الإنسان، كما أنه لا يمكن أن نغفل أن الاقتصاد المصري قد تأثر بشكل كبير بعدم الاستقرار السياسي والأمني الذى شهدته الدولة فى أعقاب ثورة يناير 2011 مما أدى إلى تدهور مؤشرات الاقتصاد الكلى وانعكس سلباً على مستوى إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لذا تركزت الجهود الوطنية منذ عام 2014 على تنفيذ برنامج طموح للإصلاح الاقتصادي يهدف إلى خلق البيئة المناسبة لتحقيق النمو والتنمية المستدامة، وقد حقق هذا البرنامج نتائج إيجابية غير مسبوقة تسعى الدولة حاليا للبناء عليها في مختلف المجالات، بما في ذلك في التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والإسكان الى جانب البنية التحتية والمشروعات القومية الكبرى.
وأضاف مساعد وزير الخارجية، أن بناء الانسان بالطبع أحد أهم مجالات حقوق الإنسان وفى القلب منها، موضحًا أن "مصر حريصة على الحوار البناء والتعاون مع مختلف آليات حقوق الانسان الدولية والإقليمية وكذا مع شركاء التنمية، لتنفيذ خططها الطموحة فى هذا المجال، وكل ما نطلبه من هذه الأطراف هو الموضوعية والمهنية وعدم الانتقائية والتسييس، وعدم الارتكان إلى أى ادعاءات كاذبة أو معلومات غير دقيقة، وأن الجانب المصرى يقوم بالرد أولا بأول على أى مراسلات من الآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان أو استفسارات وهو أيضا منفتح على الحوار".
وتابع: "أود أيضا الإشارة إلى أنه تم الانتهاء من إعداد التقارير الوطنية المقدمة للغالبية العظمى من اللجان التعاقدية للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان لكى تنتظم من العام المقبل دورية تقديم تلك التقارير، ويمثل كل ذلك ترجمة عملية للتوجه المصرى الجاد لتنفيذ التزاماتنا الدولية، ولانفتاح مصر على التواصل البناء مع مختلف الآليات الحقوقية، كما يبرهن على اننا نأخذ توصياتهم بجدية ونعتبرهم شركاء لنا فى مسيرتنا للتطوير المتواصل".
وأشار إلى أنه من المطلوب أن تحرص أى آليات أو أطراف دولية على الحوار البناء معنا وعلى استطلاع رأينا فيما قد يرد إليها من ادعاءات، وألا تستبق ردنا، وألا يتم استدراجها من قبل جهات معروفة بعدائها لمحاولة التوظيف السياسى لملف حقوق الإنسان ضد الدولة المصرية، مضيفا: "من جهة أخرى، فإن الأطراف الحقوقية المصرية مدعوة للحرص على ألا يتم استخدامها للإضرار والإساءة إلى الوطن أو للتدخل في شئونه، والمجال مفتوح للحوار بين الحكومة والمجتمع المدنى فى إطار من المشاركة الإيجابية التي تبتغى التطوير،فنحن لا ندعى الكمال، وانما نسعى اليه، ونبذل جهودا مضنية ومتواصلة لتحقيق نقلة نوعية الى الامام، ونعمل على مختلف الجبهات فى وقت واحد ونسابق الزمن لتعزيز البنية المؤسسية والتشريعية وتطوير الاداء على ارض الواقع، ونستند فى ذلك على الارادة السياسية الاكيدة على اعلى مستوى فى الدولة المصرية، ورصيد مصر الدستورى والتشريعى والقضائى الكبير. لذلك فنحن منفتحون على الاستفادة من الممارسات الفضلى وتجارب مختلف الدول، بما يساعد على مواصلة البناء على ما حققته جهودنا الوطنية. ولا شك ان الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان، وهى الأولى من نوعها، والجارى حاليا الانتهاء من بلورتها ودراستها بين جهات الدولة المختلفة، وجلسات الاستماع الموسعة الجارى عقدها مع ممثلي الأحزاب والنقابات والخبراء والمجتمع المدنى بمعناه الشامل، من شانها ان تعطى زخما كبيرا وقوة دفع في الاتجاه الصحيح لجهود مصر في هذا المجال، وصولا لتحقيق التطوير المنشود، على أرضية وطنية، تحقق طموحاتنا جميعا".
وذكر السفير أحمد ايهاب جمال الدين مساعد وزير الخارجية لشئون حقوق الإنسان، أن "رسالتنا الأساسية للعالم وهو يحتفل هذه الأيام بالذكرى الثانية والسبعين لليوم العالمى لحقوق الانسان واضحة لا لبس فيها، تعكس ما تتمتع به مصر من إرادة سياسية أكيدة وقناعة ذاتية للارتقاء بحقوق الإنسان، ومشاركة مصر للمجتمع الدولى اهتمامه وخطواته فى هذا الخصوص، وأننا نؤمن بمبادىء حقوق الإنسان، ونسعى جاهدين نحو المزيد من وضعها موضع التنفيذ الفعال. ونحن مستمرون على طريق التطوير، وطموحاتنا كبيرة ومتجددة، نضيف كل يوم لبنة جديدة فى صرح حقوق الانسان الذى نسعى لتشييده لكى يليق بمصر وشعبها".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة