الحياء صفة من الصفات الجليلة الملازمة للإيمان، وهى مظهر من مظاهر كثرة طاعة الله وعبادته سبحانه..........
فنجد أن مريم البتول، تلك العابدة الصالحة، قد تمنت الموت بعد أن اضطرها الطلق أن تلجأ إلى جذع النخلة. تمنت مريم لو تموت، وينساها الناس، حياء من أن يرونها تلد بدون زوج، فيظنوا بها الزنا (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا), وهنا أمرها الله أن تهز ساق النخلة الميتة، تلك النخلة الغير مثمرة، والتى بهزها إياها ستثمر لها، وسوف يتساقط عليها الثمر ناضجا غضا، وأمرها أن تأكل منه، كما أمرها أن تشرب من النهر الذى أجراه الله تحت أقدامها (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا)...... ولكن لماذا قال رب العزة سبحانه (وقري عينا)؟!! هل الأكل والشرب سيجعل مريم تسر وتستقر وهى فى هذه الحالة النفسية السيئة؟!!!!
قالوا في تفسير الآية:
أن الله أمرها بأن تأخذ بالأسباب وأن تهز النخلة، وقالوا: أن جذع النخلة كان مقطوعا وميتا بدون سعف، وفى موسم غير موسم إثماره، وأن الله أجرى لها نهرا تحت أقدامها...وأن النخل لا يثمر إلا بالتلقيح بالواسطة (التأبير) فتؤخذ حبوب الطلع من الشجرة الذكر فتلقح بها الشجرة الأنثى...
وقالوا: لقد تعجبت مريم فطرحت سؤالا (أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ولم أكن بغيا)، فجاءها جوابين الأول: (كذلك قال ربك هو علي هين), أما الثاني فكان فعلا ربانيا معجزا تشهده مريم بأم عينها يثبت لها الجواب الأول وهو أن الله عندما يقول للشيء كن فإنه يكون، فما أن هزت مريم جذع النخلة اليابس الميت حتى أخرج منه شجرة حية، فأنبت السعف على جذع نخلة أنثى لابد من تلقيحها كي تثمر الرطب، لكنها في الحال أثمرت وحملت الرطب دون تلقيح (تأبير)، وكأن المولى يقول لها: يا مريم من جعل النخلة تثمر دون تلقيح جعلك تحملين دون أن يمسسك بشر فاثبتي...
وهنا والله أعلم نقول:
كما أن الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل، فإن الاطمئنان والذى يسبق القدوم على عمل عظيم، يحتاج مع الإيمان إلى تجربة عملية، تعمل فيها الجوارح للوصول إلى الثبات، وإلا لماذا كان سؤال إبراهيم ربه (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)، إن مرحلة الاطمئنان تحتاج إلى عمل الجوارح فى معجزة تتم بإذن الله!!! وكذلك كان الحال مع مريم البتول (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) فعملت الجوارح، وجاءت من الله المعجزة، وأثمرت النخلة الميتة لتثبيت وطمأنة مريم.......
جعل الله سبحانه من مريم للشجرة كجبريل لمريم، هزت مريم الشجرة فأنبتت بدون تلقيح الذكر، ونفخ جبريل فى رحم مريم فحملت بعيسى بدون أب.... وهبت مريم للشجرة الثمر الرطب بإذن الله كما وهب جبريل لها أطيب ثمر بإذن الله، وفهمت مريم وقرت عينها. وما يدريك لعل هذه النخلة فرحت وسرت بأن الله اصطفاها وفضلها على جميع النخل، وجعلها تثمر بدون تلقيح ذكر، وتأكل منها مريم الصديقة بعد أن شهدت ميلاد المسيح عيسى عليه السلام تحتها. ومع سرورها وفرحها سرت مريم وقرت عينها.
وصل اللهم وسلم على من علمنا حب الأنبياء وحب الصديقين والمتقين من ذويهم، صلاة وسلام على خير البشر وسيد الخلق أجمعين، محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة