فوجئ الرئيس السادات قبل توقيعه معاهدة السلام مع مناحم بيجن، رئيس الوزراء الإسرائيلى يوم 26 مارس 1979، بتوقيع أمريكا وإسرائيل فى نفس اليوم على مذكرة تفاهم بينهما.. «راجع– ذات يوم 26 مارس 2019».. فى نفس الوقت توجهت الأنظار إلى ردود الفعل العربية الغاضبة على توقيع المعاهدة.
يؤكد محمود رياض، أمين عام جامعة الدول العربية، وقتئذ فى مذكراته “البحث عن السلام والصراع فى الشرق الأوسط»، أن التعهدات التى أعطتها أمريكا لإسرائيل كان من بينها أن أمريكا ستسعى للاستجابة لمتطلبات المساعدة العسكرية والاقتصادية لإسرائيل، كما التزمت أمريكا بالامتناع عن تقديم أسلحة لدول قد تستخدمها ضد إسرائيل، وتعهدت أن تحول دون قيام الدول التى تتلقى أسلحة أمريكية بنقلها إلى أطراف ثالثة قد تستخدمها ضد إسرائيل.
يكشف رياض أن هذا التعهد كان مفاجأة للرئيس السادات، ويؤكد أن السفير الأمريكى فى القاهرة «أيلتس» سلم صورة منه إلى رئيس الوزراء المصرى ووزير الخارجية مصطفى خليل، فى اليوم السابق للتوقيع عليه بين أمريكا وإسرائيل، دون أى تشاور مع الوفد المصرى الموجود فى واشنطن، ويذكر رياض، أنه نظرا لخطورة هذه التعهدات المعادية لمصر، أرسل «خليل» خطابا إلى «فانس»، وزير الخارجية الأمريكية قبل التوقيع عليها، يذكر فيه أن هذه التعهدات مفاجأة كبرى لمصر، وأن محتوياتها مصدر قلق بالغ للحكومة المصرية، وأن التعريف الجديد لدور الولايات المتحدة يمثل خروجا عن مفهومنا لهذا الدور كشريك كامل وليس كحكم، وأن الولايات المتحدة جعلت من نفسها حكما فى تقرير أى خرق للمعاهدة، بالرغم من وجود مادة فى الاتفاقية لتسوية أى نزاع، وأن الولايات المتحدة بتعهدها هذا إنما تلغى هذه المادة من الاتفاقية، كما تعهدت لإسرائيل بدعمها فى أى عمل تقوم به فى مواجهة خرق المعاهدة، مهما كان هذا العمل تعسفيا، ومستندا إلى إدعاء بوجود انتهاك، وختم رئيس الوزراء رسالته بأن منطلق الوثيقة معوق للسلام.
يؤكد رياض، أنه فى 26 مارس أرسل رئيس الوزراء خطابا آخر، مؤكدا فيه،رفض مصر للوثيقة، وحذر من تأثيرها العكسى على المنطقة، وأشار إلى أن هذه التعهدات ستمهد الطريق لقيام تحالفات جديدة لمجابهة هذا الحلف، ويعلق رياض: «رفض مصر لم يقف دون تنفيذ السياسة المتفق عليها بين أمريكا وإسرائيل، ولم يكن فى مقدور مصر بعد أن عزلت نفسها عربيا ودوليا أن تقاوم هذا التحالف الأمريكى الإسرائيلى».
يكشف رياض أنه فى أعقاب القمة العربية فى بغداد 2 نوفمبر 1978، عزم على الاستقالة.. يذكر: «عقدت العزم على الاستقالة، فالعلاقات انهارت بين مصر والدول العربية، وانهار معها أمل تحقيق وحدة العمل العربى الذى كنت أؤمن به وأعمل له، وأرسلت خطاب الاستقالة إلى ملوك ورؤساء الدول العربية فى 22 مارس 1979 ذاكرا فيه أن الرؤساء العرب عند اجتماعهم بالقاهرة فى أكتوبر 1976 كلفونى بالاستمرار فى المهمة التى أتولاها منذ يوليو 1972 كأمين عام لجامعة الدول العربية، وهذه المهمة كانت مبعث فخر واعتزاز كبيرين، فالوحدة العربية هدف آمنت به طوال حياتى، وقضية عملت من أجلها سنوات طويلة من قبل أن تصبح شاغلى الأول كأمين عام للجامعة العربية، وبذلت من الجهود قدر مااستطعت لكى يتوفر ذلك الحد الأدنى، ولكن التطورات التى تمر بها العلاقات العربية أهدرت ذلك الحد الأدني،ولذلك أصبحت غير قادر على الاستمرار فى أداء الرسالة التى آمنت بها وسعيت لتحقيقها، وأرجو اعتبار مهمتى منتهية فى آخر مارس 1979».
يؤكد رياض أنه أعلن استقالته أمام اجتماع مجلس الجامعة يوم 24 مارس فى مقديشيو، ويؤكد: «زارنى عدد من وزراء الخارجية لاخطارى بأن مجلس الجامعة قرر بالاجماع مناشدتى بالعدول عن الاستقالة، مما كان له فى نفسى بالغ الأثر، فشكرت لهم وللمجلس ثقتهم، وأكدت أن تركى المنصب لا يعنى توقفى عن العمل لخدمة الأمة العربية وقضاياها»، يضيف: فى 27 مارس - مثل هذا اليوم - 1979اجتمع وزراء الخارجية والاقتصاد العرب فى بغداد، وقرروا سحب سفراء الدول العربية من مصر فورا، والتوصية بقطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع الحكومة المصرية خلال شهر، وقرروا تعليق عضوية مصر فى جامعة الدول العربية مع نقل مقرها من القاهرة بصفة مؤقتة إلى تونس، ووقف تقديم قروض أوأى مساعدات اقتصادية للحكومة المصرية، وتطبيق قوانين المقاطعة العربية على الشركات المصرية التى تتعامل مع إسرائيل».. يتذكر رياض: «عندما وصلتنى هذه القرارات كنت فى مكتبى بالجامعة العربية، فاسترجعت مسيرة الأحداث التى تواكبت فى هذا العام الأخير، وانتهت بهذا اليوم الحزين الذى تعلن فيه الدول العربية إنهاء دور مصر القيادى ويرتفع فيه العلم الإسرائيلى، بينما تنزل الأعلام العربية».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة