كانت الساعة العاشرة صباح يوم 22 يوليو «مثل هذا اليوم 1956»، حين وصل الرئيس جمال عبدالناصر إلى «القبة الفداوية» للمشاركة فى جنازة الضابط الشهيد صلاح مصطفى، الملحق العسكرى المصرى فى الأردن الذى استشهد على أثر انفجار طرد ناسف فيه تلقاه عبر البريد يوم 14 يوليو 1956، حسبما يذكر كتاب «الشهيد صلاح الدين مصطفى» إعداد أبوالحجاج حافظ، عن «المجلس الأعلى لرعاية الشباب عام 1957– القاهرة».
كان «الطرد الناسف» عبارة عن رسالة تحتوى على كتاب متوسط الحجم بعنوان «القائد الرجل» ألفه الجنرال الألمانى الشهير «فون روتشتد» ومرسلة من «مكتب بريد القدس»، وأثناء محاولة الشهيد فضه انفجر فيه، وتم نقله إلى المستشفى الإيطالى بعمان، وفور أن تلقت مصر الخبر أرسلت إليه طاقما طبيا بقيادة اللواء مظهر عاشور كبير أطباء الجيش وظل معه مدة أسبوع حتى استشهد يوم 21 يوليو 1956 وعمره 35 عاما وشهور «مواليد 2 يناير 1921»، ونقلت طائرة عسكرية مصرية جثمانه إلى القاهرة، بعد وداع مهيب فى عمان، حيث أجريت له جنازة عسكرية شارك فيها مسؤولون وجموع كبيرة من الشعب الأردنى.
كان «ضابط له تاريخ» بوصف صديقه الكاتب «أحمد حمروش» عضو تنظيم الضباط الأحرار الذى قاد ثورة 23 يوليو 1952، ويكشف فى رسالة إلى عادل حمودة تعليقا على مقاله فى الأهرام «الرجل الذى وصف لحظة موته»: «كان أول دفعته فى المدرسة الحربية، وكان من أفرادها عبدالحكيم عامر، وهو من المنصورة أصلا، والده كان تاجرا بسيطا، وتخرج ضابطا عام 1939 فى دفعة من الدفعات التى دخل فيها أبناء البسطاء المدرسة الحربية بعد معاهدة 1936، ليصبحوا لأول مرة ضباطا فى الجيش المصرى بعد أن كانوا أنفارا فيه»، ويؤكد حمروش فى كتابه «قصة ثورة 23 يوليو»: «كان ضابطا من ضباط المدفعية المضادة للطائرات أو الدفاع الجوى الآن، وكان عضوا فى لجنة الإسكندرية للضباط الأحرار مع المقدم عبدالحليم الأعسر، وأحمد حمروش.. وشارك فى حرب فلسطين عام 1948».
ذهب إلى الأردن فى 14 مايو 1955 ملحقا عسكريا لمصر، وهناك لعب دوره السرى العظيم فى تنظيم العمل الفدائى الفلسطينى ضد الاحتلال الإسرائيلى، فى نفس الوقت الذى كان الضابط مصطفى حافظ فى غزة، ووفقا لمجلة المصور فى أول أغسطس 1956: «أقلق إسرائيل نشاطه الفذ، واتهمته بأنه يذكى حركة الفدائيين الأردنيين، ونادى بتكوين فريق يقض مضاجع إسرائيل، كما يفعل المصريون فى قطاع غزة.. حاولت إسرائيل تهديده منذ شهرين، ولما لم يفلح التهديد نفذت مؤامراتها الدنيئة بقصد الخلاص من الشوكة التى تهدد جنبها ناحية الأردن».
كانت جنازته مهيبة فى القاهرة، وحسب «الأهرام» فى 23 يوليو 1956: «احتشدت الجماهير على جانبى شارع العباسية من القبة الفداوية إلى ميدان عبده باشا، يسودها الوجوم والصمت الرهيب، وتوافد على مسجد القبة الفداوية فى الساعة التاسعة المشيعون من رجال الجيش والبعوث العربية والإسلامية، والضباط من كل الرتب والأسلحة، وفى تمام الساعة العاشرة وصل الرئيس جمال عبدالناصر وبصحبته اللواء عبدالحكيم عامر وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة، وزكريا محيى الدين وزير الداخلية، وعزفت الموسيقى العسكرية نشيد الوداع وتحرك الموكب فى صمت رهيب، وسار إلى جوار النعش والد الشهيد، ومن حوله قادة الثورة والوزراء، ثم ضباط الجيش والبوليس، وعندما وصل موكب الجنازة إلى ميدان عبده باشا، وقفت أسرة الفقيد تتقبل العزاء، فشد الرئيس جمال على يدى كل فرد من أفرادها جميعا.. وحمل الجثمان فى سيارة عسكرية إلى المنصورة، وفى الساعة الخامسة تحرك موكب الجنازة من ميدان المحطة وسط جموع حاشدة، واخترقت شارع الثورة فشارع مصطفى كامل حتى وصلت إلى المقابر الجديدة».
فى يوم 26 يوليو 1956، خطب جمال عبدالناصر فى العيد الرابع لثورة 23 يوليو من الإسكندرية، وهو الخطاب الذى أعلن فيه تأميم قناة السويس: «من أيام قليلة مضت استشهد اثنان من أعز الناس لنا، بل من أخلص الناس، مصطفى حافظ قائد جيش فلسطين وهو يؤدى واجبه، وصلاح مصطفى فى الأردن.. صلاح مصطفى أخوكم وأخى الذى قام معى فى 23 يوليو ليجاهد من أجل مصر.. لم يكن أحد منكم يعرف من هو، وماذا عمل، وماهو دوره فى ثورة 23 يوليو، آثر أن يكافح ويجاهد، وهو يؤمن بأنه قد وهب نفسه وروحه ودمه فى سبيلكم، وفى سبيل مصريتكم وفى سبيل مبادئكم ومثلكم.. إذا كانوا يعتقدون أنهم بقتل صلاح مصطفى والتخلص منه لن يجدوا فى مصر أمثاله فإنهم بذلك واهمون»، وأضاف: «كانت آخر كلمة قالها صلاح: الحمد لله.. بلغوهم فى مصر لكى يحذروا ويتنبهوا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة