وصلت برقية رمزية من إسبانيا إلى مصر، مساء يوم 16 يونيو، مثل هذا اليوم، 1957، تفيد بمصادرة السلطات الإسبانية لحمولة المركب التى أبحرت من الإسكندرية فى طريقها إلى «مراكش» بالمغرب، فأبرق فتحى الديب ضابط المخابرات المصرية والمسؤول عن حركات التحرر العربية فى رئاسة الجمهورية، برسالة إلى الملحق العسكرى المصرى فى إسبانيا يطالبه بموافاته بكل التفاصيل.
يؤكد «الديب» فى كتابه «عبدالناصر وثورة الجزائر»عن«دار المستقبل العربى - القاهرة»، أن هذه المركب «اخوان ايلوكس» استأجرتها الشركة «الشرقية للملاحة والتجارة» من شركة ملاحة إسبانية عن طريق الملحق العسكرى المصرى فى مدريد، لنقل شحنة كبيرة من البصل والأدوات الزراعية من الإسكندرية إلى مراكش، ويؤكد «الديب»، أن «الشرقية للملاحة والتجارة» قام بتأسيسها كشركة تجارية للملاحة البحرية، وعن طريقها كان تتم عمليات تهريب السلاح للثورة الجزائرية، ويذكر أن استئجار «اخوان ايلوكس» لنقل شحنة بصل وأدوات زراعية «طلمبات» كان فى حقيقته تغطية لعملية تهريب سلاح إلى جبهة وهران بالجزائر، ضمن النضال المسلح للثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسى بمساندة مصر، وكان هذا السلاح من صفقة تم الحصول عليها من تشيسلوفاكيا، بإشراف الديب شخصيًا، وبأموال الثورة الجزائرية.
يقول«الديب»إن المركب أبحر من الإسكندرية يوم 3 يونيو 1957، محملة بالشحنة فى إطار من الطمأنينة، ويضيف أنه أرسل خطابًا خاصًا حمله رسول خاص إلى ملحقنا العسكرى فى مدريد ليضعه فى صورة ما يجب أن يقوم به الأخوة الجزائريون فى ميناء الوصول، ويقول:«حددت له الصناديق المعبأة بطلمبات المياه، وإمكانية تقديم المال لرجال الجمرك الإسبان ليكتفوا بفتح الصناديق المرقمة حفاظًا على سرية الشحنة»، ويؤكد:«أرفقت بخطابى بوالص شحن تفيد بأن البضاعة صادرة من الشركة الشرقية للملاحة والتجارة إلى شركة «كومرشيال ترانزيت» ميناء «سوتة»، وركزت على أهمية سحب الشحنة مباشرة من المركب إلى خارج الميناء حفاظًا على سريتها، وأن الوحيد الذى يعرف حقيقتها هو الضابط الأول، وأن إجمالى الحمولة 33- طنًا وتحتاج إلى 16 لوريا بالمقطورة حمولة 20 طنًا لنقلها دفعة واحدة خارج الميناء».
كانت العملية كلها تتم بتنسيق مع قيادات الثورة الجزائرية، وكان«الديب»كمسؤول عن ملف هذه الثورة بتكليف من جمال عبد الناصر، ينتظر فى القاهرة لمتابعة عملية «اخوان ايلوكس»، غير أنه تلقى البرقية التى أزعجته، ثم وصلته رسالة تفصيلية توضح الحقائق، وكانت من الأخوة الجزائريين عن طريق الملحق العسكرى المصرى، وتضمنت هذه الرسالة: «أن الجزائريين المعنيين بالعملية فضلوا إخطار الأمير الحسن ولى العهد المغربى بالمركب وحقيقة الشحنة تفاديًا لأية عراقيل قد يثيرها إذا تجاهلوه، ولكنهم فوجئوا بإصراره على قيام مندوبين له شخصيًا باستقبال المركب مع الجزائريين لتقديم العون عند الحاجة إلى السلطات الإسبانية، وتعمد ممثلو الحسن منذ البداية افتعال أى حادث خلال عملية التفريغ لتفسخ بعض الصناديق وبعثرة محتوياتها بتفاهم واضح من عمال الونش، ولكن الجزائريين تفادوا حدوث ذلك عدة مرات، لكنهم فوجئوا بعامل الونش يتعمد صدم جزء من الشحنة بالرصيف، فتفسخ صندوق وتبعثرت محتوياته من الأسلحة أمام أعين ورقابة رجال الجمارك والحرس الأسبان، وفى الحال تم إيقاف التفريغ لحين صدور تعليمات من السلطات الإسبانية التى نقلت الشحنة إلى مخازن خاصة بها».
يؤكد الديب وفقًا للتقرير الذى تلقاه، أن الجزائريين استنجدوا بالأمير الحسن، فاكتفى بإبداء أسفه لما حدث واعدا ببذل الجهود للإفراج عن الشحنة، وكذلك سارعوا بالاتصال بالعاهل المغربى الملك محمد الخامس، فوعد ببذل الجهد لدى السلطات الإسبانية للإفراج عن الشحنة، ويضيف الديب:«تيقن الجزائريون من أوثق المصادر أن فضح حمولة المركب كانت مقصودة ومرتبة لمنع حصولهم على كميات الأسلحة والذخيرة التى سترفع قدرات الكفاح الجزائرى وتدعمه لتسديد ضربات مؤثرة ضد القوات الفرنسية.. وأن الحسن أراد بحرمانه لهم من السلاح ممارسة نوع الضغط عليهم للتجاوب مع سياسة التفاوض مع فرنسا التى يعمل لها».
رفع«الديب»تقريرًا بماحدث إلى عبد الناصر حسبما يؤكد، مضيفا:«كلف الرئيس وزير الخارجية المصرية لإثارة الموضوع مع السلطات الإسبانية خلال زيارته إلى إسبانيا، وتقدير مصر لأى موقف إيجابى تتخذه السلطات الإسبانية فى هذا المجال»، ويضيف: «قام وزير خارجيةإسبانيا بالرجوع إلى الرئيس الإسبانى الجنرال فرانكو فى شأن طلب مصر تسليمها السلاح بالإسكندرية، وطلب فرانكو إمهاله بعض الوقت لتفادى إثارة أية مشاكل مع فرنسا، مع وعده بإعادة الشحنة إلى مصر تاركًا للرئيس جمال عبد الناصر أسلوب ووسيلة استعادتها من إسبانيا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة