أصدر وزير المعارف قرارا بنقل الشيخ حسن البنا، مدرس اللغة العربية، من مدرسة «المحمدية الابتدائية الأميرية»، فانفتح باب الضغوط البرلمانية على الحكومة لإلغاء القرار.
كان الدكتور محمد حسين هيكل باشا، وزيرا للمعارف، وكان حسن البنا مرشدا لجماعة الإخوان، وحسن سرى باشا رئيسا للحكومة، وكانت الحرب العالمية الثانية مشتعلة، ومصر تحت الاحتلال البريطانى، واجتمع كل ذلك فى قضية نقل البنا، وحسب تأكيد صبرى أبوالمجد فى كتاب «سنوات ما قبل الثورة- المجلد الثالث» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة»: «تحولت إلى أزمة اعترضت وزارة سرى باشا»، ويضيف: «كان للدكتور هيكل علاقة طيبة بالشيخ البنا، وسبق أن عرض عليه البنا رئاسة الإخوان عندما التقيا فى موسم من مواسم الحج، واعتذر هيكل».
تم قرار النقل يوم 19 مايو «مثل هذا اليوم عام 1941»، حسب تأكيد كتاب «الإخوان المسلمين» تأليف «ريتشارد ميتشيل»، ترجمة «عبدالسلام رضوان»، مشيرًا إلى أنه تم فى الأجواء السياسية التى فرضتها الحرب العالمية الثانية «1 سبتمبر 1939-2 سبتمبر 1945»، ويقول: «عندما بدأت الحرب أعلن الإخوان المسلمون فى خطاب إلى على ماهر رئيس الوزراء عن تأييدهم لعدم اشتراك مصر فى الحرب، وقصر المساعدات المقدمة فيها لبريطانيا على ما يلزمها به نص معاهدة 1936 وفيما عدا ذلك واصلت الجماعة فى القاهرة شرح قضيتها، كذلك قامت بدور فعال فى إثارة المشاعر الوطنية ضد بريطانيا، بالرغم من وجود حالة الحرب، وهو الأمر الذى واجهته بريطانيا بالحزم، حرصًا على تأمين مؤخرتها».
يوضح الدكتور محمد حسين هيكل، فى الجزء الثالث من مذكراته عن «دار المعارف- القاهرة» الملابسات التى صدر فيها قرار نقل البنا بمقدماته ونتائجه، مؤكدًا: «كان الإنجليز يومئذ شديدى الحساسية، وخاصة إزاء ما يبديه بعض ذوى الرأى من المصريين من ميولهم المحورية «ألمانيا وإيطاليا»، وإزاء بعض العناصر ذات النشاط بين سواد الشعب، وكان الشيخ حسن البنا معلما فى مدرسة المحمدية الابتدائية الأميرية»، يضيف هيكل: «أبلغت السلطات البريطانية رئيس الوزارة، حسين سرى باشا، أن هذا الرجل يعمل فى أوساط جماعته لحساب إيطاليا، ورغبت إليه فى العمل على الحد من نشاطه، ورأى «سرى باشا» أن نقل الرجل من القاهرة إلى بلد ناء بالصعيد يكفل هذا الغرض، فحدثنى فى الأمر وطلب نقله إلى قنا، ولم أجد بأسا بإجابة طلبه، فنقل مدرس فى مدرسة ابتدائية ليس أمرا ذا بال، إذ يقع مثله خلال العام الدراسى فى كل سنة ولا يترتب عليه أى أثر».
فوجئ «هيكل» بأن رد الفعل على القرار ليس كما تصور بأنه مجرد «نقل مدرس، ولا يترتب عليه أى أثر، ويكشف فى مذكراته نقل الشيخ حسن البنا أدى إلى مالم يؤد إليه نقل مدرس غيره»، ويضيف: «جاءنى غير واحد من نواب حزب الأحرار الدستوريين يخاطبنى فى إعادته إلى القاهرة ويرجونى فى ذلك بإلحاح»، كان هيكل ينتمى إلى «الأحرار الدستوريين»، وبالرغم من ذلك يؤكد أنه رفض إلحاح زملائه نواب الحزب فى البرلمان، وأمام إصراره هذا، ذهبوا إلى رئيس الحزب عبدالعزيز فهمى باشا، ويوضح هيكل: «خاطبنى الرجل فذكرت له أن حسين سرى باشا هو الذى طلب إلى نقل الشيخ البنا بحجة أن له نشاطا سياسيا، وأن النشاط السياسى محرم على رجال التعليم، كما أنه محرم على غيرهم من الموظفين، ولا مانع عندى من إعادة الرجل إلى مدرسة «المحمدية» كما كان إذا أبدى سرى باشا عدم اعتراضه على إعادته».
بعد أن تلقى عبدالعزيز فهمى باشا هذا الرد من هيكل، خاطب «سرى باشا» فى الأمر، ووفقا لهيكل باشا: «ذكر له إلحاح طائفة من النواب الدستوريين ذوى المكانة، ووعد سرى باشا بإعادة النظر فى الموضوع، ثم أبدى لى أنه لا يرى مانعا من إعادة الرجل إلى القاهرة فأعدته، غير أن «هيكل باشا» يطرح على نفسه سؤالا فى مذكراته حول ما إذا كان قرار إعادة البنا إلى القاهرة كان صحيحا أم لا؟.. يقول: «ترى أأحسن«سرى باشا»فى تراجعه هذا أم أساء؟.لعله خشى أن يزداد ضغط النواب جسامة، وبخاصة حين رأى سؤالا إلى البرلمان فى هذا الشأن، فأراد اتقاء ما قد يجر إليه ذلك من نتائج، لكن الذى لا شبهة فيه أن تراجعه أشعر الشيخ حسن بأن له من القوة ما يسمح له بمضاعفة نشاطه من غير أن يخشى مغبة ذلك النشاط، وأن هذا الشعور كان له أثره فى تطور جماعة الإخوان من بعد».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة