اتصل فتحى الديب، ضابط المخابرات المصرية ومسؤول الشؤون العربية فى رئاسة الجمهورية، بسامى شرف، مديرمكتب الرئيس جمال عبدالناصر، صباح يوم 23 أكتوبر «مثل هذا اليوم 1956»، يطلب منه إبلاغ الرئيس بخبر اختطاف فرنسا قادة الثورة الجزائرية، أحمد بن بيلا، محمد خيضر، محمد بوضياف، حسين آيات أحمد «راجع ذات يوم 22 أكتوبر 2018»، وحسب الديب فى كتابه «عبدالناصر وثورة الجزائر»، فإنه طلب من شرف أن يقول للرئيس بأنه جارٍ إعداد خطة لمواجهة الموقف، وسيوافيه بها بمجرد فراغه من إعدادها قبل ظهر اليوم نفسه «23 أكتوبر».
تم الاختطاف بإنزال الطائرة التى تقل القادة الجزائريين فى مطار الجزائر، وكانوا فى طريقهم إلى تونس من المغرب للاجتماع بالرئيس التونسى الحبيب بورقيبة، بحضور العاهل المغربى السلطان محمد الخامس الذى سبقهم بطائرته من المغرب، يذكر «الديب» الذى كان منسقا بين قادة الثورة الجزائرية وعبدالناصر، أن الرئيس اطلع على المذكرة التى قدمها إليه، وتشمل تفاصيل الحدث، واقتراحاته بكيفية مواجهة مصر لهذا الفعل.
يؤكد «الديب» أن الرئيس فور قراءته للمذكرة، أصدر تعلمياته وهى: «قيام وزارة الخارجية المصرية بإرسال برقية رمزية بصفة عاجلة لسفيرنا بتونس للاتصال شخصيا بالسلطان محمد الخامس والرئيس بورقيبة، ومطالبتهما باسم الرئيس عبدالناصر باستخدام نفوذهما لدى السلطات الفرنسية للإفراج عن الزعماء الجزائريين، حيث إنهم كانوا فى حماية السلطان وفى ضيافة بورقيبة، وإرسال برقية رمزية عاجلة إلى جميع سفاراتنا بالدول العربية والآسيوية والأفريقية لاتخاذ اللازم للاتصال وتشجيع الهيئات الوطنية، لإرسال برقيات احتجاج لفرنسا، وبرقيات للأمين العام للأمم المتحدة للتدخل».
كما أصدر الرئيس تعليماته بتكليف إذاعة صوت العرب بشن حملة دعاية قوية لتأكيد استمرارية الثورة والعمل بكل الوسائل للحفاظ على الروح المعنوية للمكافحين الجزائريين، وتكليف سفاراتنا فى تونس والمغرب وفرنسا لموافاتنا أولا بأول بكل تطورات الموقف، والتحرى عما إذا كانت عملية الاختطاف قد تمت فى صورة تآمر جماعى ما بين فرنسا وسلطان المغرب والرئيس التونسى، مع محاولة التعرف على نوايا كل من سلطات الدول تجاه الحادث، ويكشف «الديب»: «باشرنا على الفور تنفيذ الإجراءات الواردة بالخطة بكل دقة، وقامت «صوت العرب» مساء يوم 23 بإذاعة بيان باسم جبهة التحرير الوطنى الجزائرى وجيش التحرير»، ويضيف الديب: «أبرقنا إلى ملحقنا بالرباط للاتصال بالدكتور عبدالكريم الخطيب للقيام بخطف شخصيات فرنسية هامة بالمغرب، والاحتفاظ بهم كرهائن حتى يتم الإفراج عن بن بيلا ورفاقه، مع ضرورة إثارة الشعور الشعبى بالمغرب ضد فرنسا».
يحمل «الديب» مسؤولية الاختطاف للسلطات المغربية، مستندا إلى مقال الصحفى المغربى «محمد اليوسفى» المنشور بجريدة «الرأى العام» المغربية 24 أكتوبر 1956، وكان ضمن الصحفيين المرافقين للقادة الجزائريين فى الطائرة، وعاش عملية الاختطاف لحظة بلحظة، وأورد فى مقاله تسلسل الأحداث، كما استند الديب إلى «تحريات دقيقة وصلت القاهرة من مغاربة ملمين بالحقائق»، ويذكر الديب القرائن التى تعزز من اتهام السلطات المغربية وهى: «التراجع فى قرار مصاحبة الإخوة الجزائريين للسلطان محمد الخامس فى طائرته الخاصة فى السفر إلى تونس فى آخر وقت، وتخصيص طائرة ثالثة لم تكن مقررة فى برنامج السفر ليستقلها بن بيلا ورفاقه»، غير أن «الديب» يؤكد فى نفس الوقت أن السلطان محمد الخامس اتصل فور وقوع الحادث برئيس الجمهورية الفرنسية محتجا، وأرسل بعد ظهر يوم 23 أكتوبر رئيس وزرائه «سى بكاى» ووزير خارجيته إلى فرنسا للاحتجاج رسميا.
ظل القادة الجزائريون محتجزين فى سجون الجزائر ثمانية أيام وتم نقلهم بعدها إلى فرنسا، ويتذكر بن بيلا فى كتاب «مذكرات أحمد بن بيلا كما أملاها على روبير ميرل» ترجمة العفيف الأخضر: «كنا فى يوم 29 أكتوبر 1956، وكانت فرنسا وإنجلترا قد هاجمتا مصر «العدوان الثلاث»، فزارنا عقيد فرنسى، وبالرغم من أنه كان يتمتع بهيأة رجل شجاع فإنه شرح لى بأن فرنسا وبريطانيا ستصفيان حسابات ناصر «جمال عبدالناصر»، بعد أن صُفيت حساباتنا نحن، وبالتالى لن تبقى فى مصر والجزائر ثورة، وسيعود كل شىء إلى النظام»، يؤكد بن بيلا: «كنت أشاهده مندهشا.. وسمحت لنفسى أن أشرح له بدورى بأن ثمة «قوى» غير «القوة»، هناك الرأى العام، والوضع الدولى، ومطامح الجماهير، قلت له إن الثورة الجزائرية تجاوزت المرحلة التى يرتبط فيها مصيرها بمصير أربعة أو خمسة مسؤولين، وبأن شيئا لم يكن قد بلغ نهايته، بل بالعكس، إن كل شىء كان فى بدايته، فهز رأسه استخفافا، وكان دائما يعود لنفس نقطة البداية: لم يعد هناك ناصر، ولم يعد هناك بن بيلا، إذن سويت المشكلة».
ظلت القيادات الجزائرية المقبوض عليهم فى السجون الفرنسية من عام 1956 حتى الإفراج عنهم عام 1962.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة