يسجل التاريخ للأنبا أنطونيوس الكبير الملقب باسم أبو الرهبان، وقوفه إلى جوار الأنبا أثناسيوس الرسولى الذى كان يخدم كبابا للإسكندرية عـام 352 م فى الأزمة التى تعرض لها الأخير جراء مواجهته لتعاليم "أريوس" الذى تنظر له الكنيسة القبطية كمروج للبدع التى لا تتسق مع صحيح الإيمان الأرثوذكسى.
فى تلك الآونة كان البابا أثناسيوس الرسولى منفيًا خارج الإسكندرية، فما كان من القديس الأنبا أنطونيوس إلا أن وقف إلى جواره، وأقر الإيمان المسيحى مثلما يراه فالتف حوله آلاف من المسيحيين وأيدوه.
يذكر البابا أثناسيوس فى كتابه عن سيرة الأنبا أنطونيوس، أن الفترة التالية شهدت عودة البابا أثناسيوس الرسولى من منفاه، وسيرد الجميل إلى معلمه الأنبا أنطونيوس ويختار اثنين من تلاميذه الرهبان أساقفة وعملا كسكرتارية للبابا، وهو أول تعيين للرهبان فى رتبة الأساقفة مثلما يؤكد كمال زاخر المؤرخ القبطى، فأثناسيوس الرسولى نفسه كان شماسًا ولكنه أول بابا يرتدى زى الرهبان.
البابا أثناسيوس أول بابا يرتدى زى الرهبان
أثناسيوس الرسولي
يرجع زاخر اختيار الرهبان كأساقفة فى تلك الفترة إلى عدة عوامل، أهمها تفرغهم التام لخدمة الكنيسة وعلمه الغزير بالكتاب المقدس وبتعاليم الإنجيل، ومن ثم هم أفضل من يخدم الكنيسة فى كافة مواقعها.
منذ هذا التاريخ، وتغير مستقبل الرهبنة، وصار تعيين باباوات أو بطاركة من بين الرهبان شرطًا أساسيًا، كما امتد ذلك ليشمل مساعدو الباباوات من الأساقفة، وهو الأمر المعمول به حاليًا فى كافة الكنائس التقليدية فى العالم، الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية، والكنيسة الكاثوليكية بروما، وغيرهم.
الأنبا باخوميوس يبدأ مدرسة رهبانية مختلفة
الانبا باخوميوس
أمام هذا التحول التاريخى فى مسار الرهبان، ظهرت مدارس رهبانية جديدة، فلم تعد الرهبنة مقتصرة على الرهبنة التوحدية التى عاشها الأنبا انطونيوس فى مغارته بالبحر الأحمر، ولكن الأنبا باخوميوس كان قد ظهر فى الصعيد بمدرسة رهبانية جديدة وهى رهبنة الشركة أو حياة الأديرة التى انتشرت فى مصر والعالم كله ومازلت هى الغالبة على الحياة الرهبانية المصرية.
وأكد كتاب الأنبا باخوميوس أب الشركة للقمص أثناسيوس فهمى، على أن الأنبا باخوميوس أو باخوم ولد سنة 292 ميلادية بالأقصر، لعائلة وثنية لا تعرف الإيمان المسيحى وقد اسماه والده باخوم وهى كلمة يونانية تعنى نسر، وقد عرف الإيمان المسيحى بنفسه وسار فى طريقه إلى أن أسس مدرسته الرهبانية التى انتقلت منه إلى العالم أجمع.
كيف خرجت الرهبنة من مصر وانتشرت فى العالم؟
كانت الرهبنة قبل القديس الأنبا باخوميوس تسير بنظام التوحد، وكان الجبل أو الوادى أو البرية المترامية مسافات بين كل راهب وآخر إلا أن الأنبا باخوميوس قام بجمع الرهبان فى حياة مشتركة تحيا كل فئة مع بعضها يتعاونون ويحترمون بعضهم بعضًا، ولما زاد عدد الإخوة واتسعت الخلية الرهبانية بنى لهم القديس الأنبا باخوميوس عدة أديرة متفرقة فى أماكن أخرى وجعل لكل دير رئيسًا أما هو فصار الرئيس الأعلى لتلك الحياة الرهبانية، التى بلغت حوالى عشرة أديرة، وبلغ عدد الرهبان حوالى عشرة آلاف راهب، وبذلك صار الأنبا باخوميوس "أب الشركة" فى النظام الرهبانى فى مصر، و لم يقف انتشار نظام الشركة الباخومى على مصر فقط بل انتشر فى العالم كله، عن طريق تلاميذه من بينهم القديس باسيليوس الكبير الذى عاش فى صعيد مصر عدة سنوات وسافر منها إلى اليونان، والقديس إيرنيموس (جيروم) الذى عمل على ترجمة القوانين الباخومية عام 404 م ونشرها بين الرهبان الإيطاليين، كما ترجم القديس ديونسيوس الصغير (545 م) حياة وقوانين الأنبا باخوميوس إلى اللاتينية ونشرها هناك.
أما القديس يوحنا كاسيان تولى بترجمة سير الآباء منهم القديس باخوميوس ونظام الشركة ونشرها فى غرب أوروبا وجنوب فرنس وقام بتطبيق نظام الشركة فى أديرة مارسيليا وهكذا فى العديد من دول الغرب انتشرت الرهبنة الباخومية ونظام الشركة ومنها إلى الرهبنة العاملة فى أوروبا وغير ذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة