رغم حالة الارتياح بين العديد من المثقفين فى الغرب حيال فوز المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل فى الانتخابات التشريعية الأخيرة واستمرارها فى منصبها لفترة رابعة، فإنهم لم يخفوا أيضا شعورا بالقلق البالغ والتوجس حيال نتائج هذه الانتخابات التى أظهرت أيضا صعودا غير مسبوق لليمين الشعبوى المتطرف فى "ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية".
وسواء فى الغرب أو الشرق، تحظى المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل بإعجاب وتقدير العديد من المثقفين وتوصف بأنها صوت نبيل لثقافة الحكمة فى زمن الأزمة التى تلف العالم" كما أنها موضع إشادة الكثير من المثقفين العرب لمواقفها النبيلة حيال قضايا اللاجئين التى باتت تشكل هما عربيا.
وضمن طروحات تتوالى فى الصحافة الثقافية الغربية حول نتائج هذه الانتخابات، رأت الكاتبة والناقدة الثقافية المقيمة فى برلين مادلين شوارتز فى طرح بدورية "نيويورك ريفيو" أن هناك ما يدعو للتوجس بشأن تلك النتائج التى تظهر صعودا لليمين المتطرف فى ألمانيا حتى أنها اعتبرتها "الأسوأ فى التاريخ الألمانى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية".
وتحت عنوان "شفق أنجيلا ميركل" وصف الكاتب البريطانى الأصل والمعروف باهتماماته الثقافية العميقة روجر كوهين نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة فى ألمانيا "بالفوز المرير لميركل" موضحا أن هذه الانتخابات تدشن أيضا انطلاقة اليمين الشعبوى المتطرف فى البرلمان الألمانى.
واتفق العديد من المعلقين على أن إنجيلا ميركل تبدأ ولايتها الرابعة بعد فوز صعب فى الانتخابات التشريعية التى أجريت يوم الأحد الماضى لم تزد نسبته عن 33 فى المائة فيما تنتظرها مفاوضات شاقة لتشكيل حكومة ائتلافية ذهب بعض المحللين إلى أنها قد تستغرق عدة أسابيع طويلة بل واشهر وقد تطول حتى إطلالة العام الجديد.
وحل "حزب البديل من أجل المانيا" المنتمى لليمين المتطرف ثالثا فى الانتخابات التشريعية الأخيرة التى حصل فيها على نسبة أصوات بلغت 13,5 فى المائة فيما استبعد اغلب المعلقين إمكانية إقدام ميركل على التفاوض مع هذا الفصيل اليمينى المتطرف والمعادى للمهاجرين بقيادة السياسية فراوكه بيترى لضمه لائتلاف حاكم بقيادتها مرجحين أنها ستتجه لتشكيل ائتلاف يضم "حزب الخضر" المدافع عن البيئة بنزعة يسارية والحزب الديمقراطى الحر بتوجهه الليبرالي.
وفى سياق تناوله "للفوز المرير" للمستشارة الألمانية، رأى روجر كوهين فى صحيفة نيويورك تايمز أن مشاهد قادة حزب البديل وهم يتوعدون ميركل بالمطاردة داخل البرلمان بعد إعلان نتائج الانتخابات ويرعدون "بالعمل على استعادة ألمانيا للألمان وحدهم" ستبقى طويلا فى الأذهان.
ومن المفارقات الدالة أن المعقل الرئيس لحزب البديل الشعبوى اليمينى المتطرف الذى عرف بكراهيته للأجانب يقع فى شرق ألمانيا وهى المنطقة التى كانت فى الماضى دولة ضمن المنظومة الشيوعية التى قادها الاتحاد السوفييتى السابق حتى "حدوث الزلزال السياسى الكبير" بسقوط سور برلين وإعادة توحيد شطرى ألمانيا.
ومع أن حزب البديل حل ثالثا فى الانتخابات فانها "المرة الأولى فى ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية التى يحقق فيها حزب يمينى متطرف هذا الانجاز ويصبح ثالث اكبر قوة فى البرلمان" ومن ثم فقد ذهب بعض المعلقين إلى أن نتائج الانتخابات الأخيرة تنطوى على "زلزال سياسي" خاصة وأن حزب البديل انتزع الكثير من الأصوات فى صعوده للمركز الثالث سواء من الحزب الذى تقوده ميركل أو الاشتراكيين الديمقراطيين واليسار.
وقال روجر كوهين المعروف بميوله الثقافية الليبرالية إن الانتخابات التشريعية الأخيرة فى ألمانيا تشكل "منعطفا له ما بعده فى هذا البلد الذى يعد الأكبر والأقوى فى أوروبا". معتبرا أن صعود حزب البديل على المسرح السياسى الألمانى يعنى ظهور قوة سياسية ألمانية تنتمى لتيار اوروبى يمينى شعبوى يتبنى ضمن توجهاته المتطرفة عداء للمهاجرين والإسلام ويدعو "لإعادة المهاجرين من حيث جاؤوا".
ورغم هذا التحدى الكبير الذى يلوح أمام ميركل فقد أقر كوهين بأن فوزها الانتخابى الأخير واستمرارها مستشارة لألمانيا لفترة رابعة يشكل "ظاهرة استثنائية" ويعنى أنها بالفعل "عملاقة " لا تقل عن أسلافها العظام من المستشارين الألمان :كونراد اديناور وفيلى برانت وهيلموت شميت وهيلموت كول.
وطريف التعبير الذى استخدمته الكاتبة والمؤلفة الأمريكية ايمى دافيدسون سوركين فى طرح بمجلة "نيويوركر" ذات المضمون الثقافى الرفيع المستوى عندما وصفت انجيلا ميركل بأنها "اقوى امرأة فى عالم الرجال المزعزع" وان كانت لم تخف بدورها شعورا بالتوجس حيال دخول اليمين المتطرف لأول مرة للبرلمان الألمانى بعد الحرب العالمية الثانية معيدة للأذهان أن هذه الظاهرة تأتى ضمن المد الظاهر لليمين الشعبوى المتطرف فى اوروبا والغرب كما فى حالة حزب الجبهة الوطنية فى فرنسا بقيادة مارين لوبان.
والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل التى تحدثت غير مرة عن حالة القلق الراهنة على مستوى العالم وأهمية البحث عن الاستقرار ولدت عام 1954 فى مدينة هامبورج فيما انتقلت فى عامها الأول مع والدها لما كان يعرف "بألمانيا الشرقية" لتشب عن الطوق فى بلدة "تمبلن" حتى نالت درجة الدكتوراه وباتت أستاذة جامعية فى الفيزياء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة