رأى الكاتب البريطانى صنى هاندال، أن ظهور نجم اليمين المتطرف لا علاقة له بالسياسة الاقتصادية، وأن الناخبين إنما يصوتون بناء على الهوية وليس الطبقة الاقتصادية.
وقال هاندال -فى تعليق نشرته صحيفة الإندبندنت- إن ثمة فرصة واقعية جدا وإن بدتْ ضئيلة أمام القومية اليمينية المتطرفة مارين لوبان بأن تُنتخب رئيسة لفرنسا؛ بينما زعيم حزب اليسار جان لوك ميلانشون والعديد من مؤيديه يمتنعون عن التصويت.
ورصد الكاتب قول الفيلسوف اليسارى "سلافوج زيزك" إن إيمانويل ماكرون هو على نفس درجة السوء التى عليها مارين لوبان؛ فيما اختار الوزير اليونانى السابق والاشتراكى "يانيس فاروفاكيس" دعوة اليساريين إلى دعْم ماكرون لمجرد أن الأخير كان من الداعمين لجانب اليونان عندما احتاجت المساعدة من الاتحاد الأوروبي.
ورجح هاندال أن يتساءل الكثيرون من أبناء الأقليات الفرنسية عندما يجدون أنفسهم محكومين من جانب حزب عنصري، قائلين: "ماذا دهاك أيها الشعب؟ كيف تتغافل عن رؤية شيء واضح تمام الوضوح؟"
ورأى الكاتب أن إبعاد مارين لوبان ينبغى أن يتصدر الأولويات، قبل أى شيء آخر؛ أما موقف اليسار من ماكرون فهو يفسر عجزه (اليسار) عن إيقاف المدّ الشعبوى لليمين المتطرف.
إن السياسات الحديثة، بحسب الكاتب، تحركها الهوية فى الأساس؛ ومن بريكسيت إلى ترامب يصوّت ناخبو اليوم بناء على الهويات القائمة على العِرْق والدين والطبقة والنوع والجنسية وما يساعد فى تحديد وجهات النظر - إن الإرهاب والتطرف الدينى هما من بين الأمور التى تتعلق بالهوية.
لكن اليسار، بحسب الكاتب، يبدو متناسيا ذلك، ومن ثمّ يعمل على افتراض أن الاقتصاد ومكاننا فيه (طبقتنا) هو عامل أساسى فى تحديد سياستنا؛ إن اليسار يرغب فى التركيز قبل كل شيء على إصلاح الاقتصاد ويرى كل ما عدا ذلك بمثابة "تشويش"؛ هذا النوع من "اليسار الاقتصادي" يعتقد أن محور السياسة هو "الطبقة".
لكن، يرى هاندال، أنه بينما نظامنا الاقتصادى يحدد الكثير من أوجه سياستنا، إلا أنه لا يفسر كل شيء، لا سيما ظهور نجم شعبوية اليمين المتطرف الحديث؛ ويعزى اليسار الاقتصادى ما يحصل عليه اليمين المتطرف من زخم إلى غضب الشعب الأبيض من الأنظمة الفاشلة التى تتركه وراء ظهرها.
ونوّه صاحب المقال عن أن المحاور الأساسية لليمين المتطرف الجديد فى خطابه للناس فى كل من فرنسا وألمانيا وهولندا كانت جميعا متشابهة وهي: معارضة الهجرة، والترويج للخوف من الأجانب.
لكن على الرغم من كل ذلك، يقول هاندال، يقف اليسار الاقتصادى متصلبا ومتشبثا باعتقاده أن الناس هُمْ (وينبغى أن يكونوا) مدفوعين فقط بالسياسات الاقتصادية؛ إن هذا اليسار لا يتفهم موقف شخص ما يصوّت ضد مصلحته الاقتصادية فى سبيل مسائل تتعلق بالهوية؛ هذا اليسار لا يمكنه أن يفهم لماذا جيريمى كوربين رغم رواج برنامجه الاقتصادى لا يُحرز شعبيةً فى استطلاعات الرأي.
ونبه الكاتب إلى أن اليمين المتطرف يتواصل مع الناخبين عبر لغة تدور حول الثقافة والهوية، وهو بذلك إنما يستخدم لغة وسياسات اليسار: لقد استخدم كل من ترامب والقائمين على حمْلة بريكسيت ، ومارين لوبان وحتى "نايجل فراج"- استخدموا جميعا فى حملاتهم تكتيك الهجوم على النُخبة والتعهد بحماية الضمان الاجتماعي.
ورأى الكاتب أن اليمين المتطرف بذلك قد نجح فى تسليح اليسار ضد نفسه، وقد وقع هذا الأخير فى ذلك الفخ وجعل يهاجم مرشحى يسار الوسط وهو ما حدث فعلا مع هيلارى كلينتون ويحدث الآن مع ماكرون.
وقال هاندال "إذا قيل للناخبين إن مرشح يسار الوسط هو على نفس درجة السوء التى عليها مرشحة اليمين المتطرف، فلا يمكن الاندهاش إذا ما امتنع الناس عن الخروج للتصويت... إن اليسار الاقتصادى يحتاج إلى أن يدرك أن ثمة ما هو أهم عند الناس من الطبقة الاقتصادية... إن مهاجمة يسار الوسط بسبب سياسته الاقتصادية إنما تصّب فى صالح اليمين المتطرف وعندئذ فجميعنا سيخسر".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة