"المسجد الموجود فى مدينة القدس ليس هو المسجد الأقصى"، كانت تلك الجملة التى قالها الدكتور يوسف زيدان الكاتب والمؤرخ فى حوار تليفزيونى فى 2015، بابا لجدل واسع لم يغلق حتى الآن، طرح أسئلة كثيرة، لم تلق سوى إجابة أكثر جدلا وهى "ابحث عن المستشرقين".
وعلى نفس النهج دارت العديد من المعارك الفكرية التى تصدر مشهدها أسماء تكررت على مدار السنوات الماضية وأشهرهم بعد يوسف زيدان، الباحث الشاب إسلام بحيرى، والدكتور علاء الأسوانى.
تلك الأسماء هى أشهر من واجه اتهام أنهم ينقلون أفكارهم ونظرياتهم عن التاريخ العربى والإسلامى ورموزه من كتاب وباحثين مستشرقين، ورغم أن هؤلاء لم يتعاملوا مع الأمر على أنه تهمة، إلا أن واقع الأحداث وتتابعها أصبح يفرض على الجميع أهمية مراجعة تلك الأفكار التى اعتبرها غالبية المهتمين بتلك القضايا "تخريب" و"تزييف" و"تشويه متعمد" للتاريخ الإسلامى والعربى، رغم أن هؤلاء المفكرين والباحثين يصرون على أنها "تجديد".
يوسف زيدان.. العدو الأكبر لرموز التاريخ الإسلامى
يعد يوسف زيدان أحد أشهر المفكرين والمؤرخين الحاليين الذين خاضوا تلك المعركة متنقلا من عدم قدسية الأقصى إلى وصف صلاح الدين الأيوبى بالدموى الظالم، وسيف الدين قطز بالحقير، وغير ذلك من القنابل التاريخية التى اعتاد زيدان على تفجيرها مؤخرا، ماجعله عرضة لانتقادات واسعة تكرر فيها اتهامه بأنه يروج لأفكار المستشرقين المشوهة للتاريخ العربى والإسلامى ورموزه، ونقله لأفكار عدد من المستشرقين اليهود مثل إسحق حسون وعضو معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في الجامعة العبرية والباحثة اليهودية حوا لاتسروس يافه، وجوزيف هوروفيت، والذين أسسوا جميعا لفكرة عدم قدسية الأقصى وأن المسجد الموجود بالقدس ليس هو المسجد المذكور بالقرآن والذى أسرى إليه الرسول الكريم.
إسلام بحيرى ومعركة نسف التراث الإسلامى
وعلى طريقة زيدان، خاص الباحث الشاب إسلام البحيرى معركة كبرى تحت شعار "تجديد الخطاب الإسلامى وتنقية التراث"، إلا أن حلقات البحيرى وكتاباته التى هاجم فيها رموز كبيرة مثل البخارى أشعلت ضده نيران النقد والهجوم من المتخصيين الذى دللوا كثيرا على أنه ينقل كل أفكاره وأحاديثه من كتب المستشرقين الذين سعوا إلى تشويه التراث الإسلامى بهدف تفكيك الأمة والتشكيك فى ثوابتها.
ومن بين من دللوا على ذلك كان الشيخ أسامة الأزهرى، أحد علماء الأزهر، والذى أكد فى تصريحات تليفزيونية أنه استمع إلى تفريغ لمائة حلقة من برنامج إسلام البحيرى وخرج بقناعة بأنه لم يطرح كلمة واحدة جديدة خلال جميع حلقاته، وأنه طرح 60 قضية جميعها مأخوذ من كتب مستشرقين، ويعيد افتراءات ضد الإسلام بطريقة النسخ ويحيلها لمصدر هنا أو هناك.
وأشار الأزهرى فى حديثه، إلى أن البحيرى يقع فى الخلط الفقهى ويجتزأ كلمات لبعض الأئمة ويستخدم مغالطات عديدة يستند بها على خطأهم وهو نفس منهج المستشرقين الذين يقرأ لهم وينقل عنهم.
علاء الأسوانى "الناقل الجيد" لأفكار المستشرقين اليهود
فى مقال له عام 2011 بعنوان "هل نحارب طواحين الهواء"، تحدث علاء الأسوانى عن تاريخ الحكم بعد الخلفاء الراشدين قائلا: " أما بقية تاريخ الحكم الإسلامى فلا وجود فيه لمبادئ أو مُثُل نبيلة، وإنما هو صراع دموى على السلطة يستباح فيه كل شىء، حتى ولو ضربت الكعبة وتهدمت أركانها".
وبهذه الفكرة التى يرددها دائما اعتمد الأسوانى نفسه لدى كثيرين أحد أشد المنتقدين للتاريخ الإسلامى ولأمراءه وحكامه، وهو فى ذلك ليس باحثا أو دارسا، بل ناقلا لأفكار عدد من المستشرقين مثل "مارجليوث" الذى روج لفكرة أن الحكم الإسلامى دموى، وأن الدولة الإسلامية لم ترى عدلا، سعيا لتدمير الفكرة الإسلامية فى شكلها العادل، وكخطوة أولى للهجوم على الإسلام نفسه وعلى أفكاره.
ما خطورة السير خلف أفكار المستشرقين على التاريخ العربى والإسلامى؟
الأزمة فى قضية النقل عن المستشرقين ليست فى صحة أو خطأ ما يقولونه عن التاريخ العربى والإسلامى، وشخصياته ورموزه، على قدر ما هى فى أن من ينقلون عنهم لا يتركوا لعقولهم مساحة الشك فيما يقرأونه ثم يقولونه أمام الناس، ولا يجتهدوا فى البحث والتحقق لإكمال الصورة ولو حتى من باب الدفاع عن الهوية العربية والإسلامية التى ينتمون إليها، والأخطر أن ذلك يحدث فى نفس الوقت الذى تدور فيه عجلة تلميع التاريخ الغربى، وتنقية الحضارة الغربية مما قد يسىء إليها ولو كان حقيقيا، وهو ما يجعل السير فى ركب المستشرقين فخ يتسع مرحليا مع كل ناقل جديد لتلك النظريات، ومغامرة سيدفع ثمنها أجيال عربية وإسلامية مقبلة، لن تجد أمامها لتقرأه عن تاريخ أجدادهم سوى الدم والظلم والهمجية.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد شادي
احسنت.....
جزاك الله خيرا...... والله انهم شر من الارهاب وجميعهم والارهاب اعذاء لله وللاسلام والوطن