كان المشير عبدالحكيم عامر، القائد العام للقوات المسلحة المصرية، فى العاصمة السوفيتية موسكو يوم 1 نوفمبر «مثل هذا اليوم» من عام 1957، وكان أول ارتباط له فيها، حسب محمد حسنين هيكل، فى كتابه «سنوات الغليان»: «دعوة على العشاء فى مقر وزارة الدفاع السوفيتية، ووجد نفسه محاطا بكل النجوم من ماريشالات الاتحاد السوفيتى الذين قادوا أكبر الجيوش فى أخطر معارك الحرب العالمية الثانية».
كان عامر على رأس وفد عسكرى لتمثيل مصر فى العيد الأربعين للثورة السوفيتية، وضم الوفد كلا من الفريق البحرى سليمان عزت، واللواء طيار جمال عفيفى، واللواء حافظ إسماعيل، واللواء عبدالعزيز مصطفى، ووفقا لهيكل: «كان الوفد مهيأ بتشكيله العسكرى لبحث صفقة سلاح جديدة، وفوق ذلك كان «عامر» مكلفا بالاتفاق على حجم قرض معقول لبرامج التصنيع، فإذا ما تم الاتفاق عليه سافر إلى موسكو الدكتور عزيز صدقى، وزير الصناعة، بادئا من إطار الاتفاق إلى تفاصيل مشروعاته».
انضم «هيكل» إلى الوفد فى اللحظات الأخيرة بطلب من عبدالناصر قائلا له: «الاتحاد السوفيتى قوة عظمى، ونحن سنتعامل معهم لسنوات طويلة قادمة، وفى مسائل حيوية بالنسبة لنا، وسوف يفيدنى كثيرا أن أسمع منك حين تعود وبالتفاصيل، ولا تنس أنها فرصة لك أيضا كصحفى»، ويؤكد هيكل أن وجوده كمدنى وحيد فى الوفد كان مفاجأة للسوفييت.
غادر الوفد القاهرة على طائرة سوفيتية خاصة طراز «ت ى 104»، وكان هذا الطراز من الطائرات الكبيرة النفاثة فى ذلك الوقت معجزة طائرة، ويوضح هيكل الظروف التى أدت إلى سفر «عامر»، فى حين أن الدعوة كانت لعبدالناصر: «فى يوم 5 أكتوبر 1957 ذهب السفير السوفيتى فى القاهرة «ديمترى كيسليف» إلى مقابلة «عبدالناصر»، يحمل إليه مجموعة من صور أول قمر صناعى فى العالم «سبوتنيك» الذى أطلقه الاتحاد السوفيتى «فى اليوم السابق 4 أكتوبر» إيذانا ببدء عصر الفضاء، وكان إطلاقه مفاجأة كبرى ظهر معها أن الاتحاد السوفيتى قفز خطوة مهمة إلى الأمام سبق بها الولايات المتحدة الأمريكية».
يؤكد هيكل، أن «كيسيليف» انتهز الفرصة، فقال للرئيس «جمال عبدالناصر»، إن القيادة السوفيتية تتمنى لو استطاع أن يزور الاتحاد السوفيتى قريبا، ويشارك فى احتفالات الثورة السوفيتية فى عيدها الأربعين بعد شهر واحد «أى أوائل نوفمبر»، ورد عبدالناصر بأنه كان يتمنى أن يلبى الدعوة، ولكن أمامه شواغل كثيرة تقيده، فضلا عن أن الحملة الأمريكية والغربية التى تركز على سوريا تجعله يفضل البقاء لمتابعة التطورات، ولكنه سيفكر فى إرسال ممثل خاص له يشارك فى الاحتفالات، وأبدى «كيسيليف» ملاحظة مؤداها أنه «يقترح بصفة شخصية أن يختار الرئيس ممثله فى الاحتفالات على مستوى عال، لأن القيادة السوفيتية تريد بحث العلاقات المصرية السوفيتية على مستوى يليق بأهميتها المتزايدة، ورد عليه عبدالناصر: «خطر فى ذهنى الآن أن أرسل إليكم عبدالحكيم عامر، وأبدى «كيسليف» حماسه للاختيار».
يوضح «هيكل»: «الحقيقة أن عبدالناصر كان على استعداد لتلبية الدعوة لو أن ذلك كان فى استطاعته، وكان يشعر برغبة فى أن يعرف أكثر عن الاتحاد السوفيتى، فلقد سمع كثيرا وتناقض ما سمعه مع بعضه، وكان تقديره لصفقة السلاح السوفيتى «1955» كبيرا، وكذلك كان تقديره للإنذار السوفيتى، ثم جاء إطلاق القمر الصناعى فزاد من اهتمامه بأن يرى بنفسه، وأن يسمع مباشرة، وصحيح أن شواغله فى مصر كانت تقتضى بقاءه، والضغوط المتزايدة على سوريا كانت تحتم بقاءه فى المنطقة قرب الحوادث، لكن هذه الأسباب الظاهرة لم تكن كل شىء، وإنما كانت هناك أسباب أخرى أولها، أنه لم يكن يريد لزيارته الأولى إلى الاتحاد السوفيتى أن تكون رحلة تقديم شكر على صفقة الأسلحة وعلى إنذار السويس «العدوان الثلاثى على مصر عام 1956» أو رحلة تقديم طلبات، كان يريد عقد صفقة سلاح ثانية، والحصول على قرض للتصنيع إلى جانب جس النبض فى مشروع السد العالى، وثانيها أنه وجد أن ظهوره شخصيا فى موسكو مع توقيت الضغط على سوريا بكل الدعاوى التى يرددها الغرب، قد يتخذ ذريعة ضمن ذرائع الدعاية الغربية، وثالثها أنه كان يؤثر الحذر دائما، ويفضل استكشاف المواقع قبل الدخول إليها، ولعلها آثار تعليمه العسكرى».
هكذا تم تشكل الوفد برئاسة عامر، ووصل يوم 1 نوفمبر 1957، وفى اليوم التالى كان محط الأنظار فى موسكو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة