أكرم القصاص - علا الشافعي

سهيلة فوزى

دارفور.. وجع فى قلب السودان "4"

الخميس، 03 مارس 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتهينا فى المقال السابق عند ضم دارفور بشكل نهائى إلى السودان بعد مقتل السلطان على دينار 1916، بعدها كانت السودان بالكامل تحت الحكم الإنجليزى فعليا، والإنجليزى المصرى اسميا، وحفلت هذه الفترة بالشد، والجذب بين الحكومات المصرية، والإنجليز لرغبة الجانب المصرى تأكيد أحقية مصر فى حكم السودان، وهو ما لم يحدث فعليا، خاصة بعد اغتيال الحاكم العام للسودان 1924 أثناء تواجده بالقاهرة، واستخدام الحكومة البريطانية للحادث كذريعة لإجلاء الجيش المصرى من السودان، وبعدها أصبحت السيطرة الفعلية على السودان للإنجليز وخلال هذه الفترة استخدم الإنجليز أبناء القبائل ذات الأصول العربية المهيمنة بشكل أكبر على الشمال السودانى لتولى بعض المناصب الإدارية، بينما ظلت دارفور تحت المراقبة دوما خشية قيام محاولة جديدة لإحياء سلطنة دارفور، والانفصال عن السودان .

وفى ديسمبر 1955 اجتمع البرلمان السودانى، وأعلن استقلال السودان، ووافقت مصر وبريطانيا على الجلاء، ورُفع العلم السودانى 1 يناير 1956. بعد استقلال السودان بدأت محاولات الإدارة المركزية بالخرطوم فى وضع دستور، كانت المحاولة الأولى مسودة دستور 1957، ثم ظهرت الدعوة لدستور إسلامى، وجمهورية رئاسية، وشُكلت لجنة عام 1968 أجازت مادة تنص على أن "الإسلام دين الدولة الرسمى، واللغة العربية لغتها الرسمية، وأن السودان جزء من الكيان العربى، والاسلامى" ،والمادة 14 التى جاء نصها "تسعى الدولة جاهدة لبث الوعى الدينى بين المواطنين، وتعمل على تطهير المجتمع من الإلحاد، ومن صور الفساد، والانحلال الخلقى".

بذلك تجاهل القائمين على شئون السودان وقتها - بالدستور- العرقيات الأخرى المكونة للمجتمع السودانى، وعمقت بذلك مشكلة الخرطوم مع الأقاليم التى تقطنها الأغلبيات غير العربية، وعلى رأسها بالطبع جنوب السودان، وجبال النوبة، ودارفور.

وجاء فرض الحكومة الهوية "الإسلاموعربية" مع غياب خطط تنموية للأقاليم التى عانت التهميش منذ الإحتلال الإنجليزى المصرى للسودان، لذلك قامت فى دارفور حركات معارضة تنادى بحق الإقليم فى التنمية، والتمثيل السياسى كحركة اللهيب الأحمر 1958 التى طالبت بالمساواة، والتنمية، ومشاركة أبناء دارفور فى البرلمان، ورفضهم تمثيل أبناء الشمال النيلى لدارفور فى المجلس النيابى.

بعدها تطورت حركة المعارضة من المطالبة بحقوق الإقليم إلى المناداة باستقلاله كما فعلت حركة سونى عام 1964، ولم تلق تلك الدعوات استجابة.

أما التحول الجذرى فى شكل النزاع بدارفور كان بعد قرار حكومة الصادق المهدى بتسليح مجموعات عربية لمواجهة الجيش الشعبى لتحرير السودان فى جبال النوبة، والنيل الأزرق، وكان هذا القرار بداية قيام النزاع المسلح بين مدنيين مدعومين من الدولة فى مواجهة حركات التمرد المناهضة للحكومة المركزية.
خرجت حكومة المهدى بعد انقلاب قادته الجبهة الإسلامية 1989
وجاءت حكومة الإنقاذ الوطنى، وانتهجت نفس سياسة "المهدى" التى أدعت القيام بالثورة اعتراضا عليها، فوضعت قانون الدفاع الشعبى لتسليح المدنيين من الأصول العربية، وجعلتها مؤسسة تعمل إلى جانب الجيش، وأصدرت فتاوى تكفر مسلمى جبال النوبة الذين انضموا لجيش تحرير السودان لتعطى بذلك غطاء دينى لعمليات القتل المُخطط لها.
على مدار سنوات نالت القبائل العربية التسليح، والدعم من حكومات الخرطوم لمواجهة خطر حركة جيش تحرير السودان فى الجنوب، وجبال النوبة، والنيل الأزرق، وأصبحت فى ما بعد هى النواة التى تشكلت منها ميليشيات الجنجويد العربية التى قادت حرب بالوكالة عن الجيش السودانى ضد القبائل الإفريقية فى دارفور بعد تصاعد أعمال حركات التمرد التى وصلت للذروة بعد هجوم المتمردين على مطار الفاشر، وتدمير 6 طائرات عام 2003، واعترفت بعدها الحكومة بقيام "تمرد" فى دارفور .

فأصبحت المعادلة فى دارفور قبائل عربية تدعمها الحكومة ضد متمردين ذو أصول إفريقية تدعمهم دول الجوار تشاد وليبيا، بينهما أهل دارفور .

ورغم أن المتابع لأزمة دارفور يصطدم دوما بآراء متناقضة، فالبعض يُحمل الحكومة أسباب التدهور، بينما يرى آخرون أن حركات التمرد ما هى إلا عصابات نهب وسلب تحولت إلى قوى ثورية بين ليلة وضحاها .

وأرى أنه لولا لجوء الحكومة إلى تسليح مدنيين لخوض معاركها ما تفاقمت المشكلة فى دارفور إلى هذا الحد، ورغم ما تُتهم به حركات التمرد فى دارفور من النزعة العرقية، وخلافاتهم فى ما بينهم، والانشقاقات المتتالية فى صفوف حركاتهم، إلا ان كل هذا لا يُعفى الحكومة السودانية من تحمل مسئولية تفاقم الأوضاع، لفشلها فى حل مشاكل الإقليم منذ بداية حركات المعارضة السلمية التى كان يجب التعامل معها كجرس إنذار لما يعانيه الإقليم من التجاهل، وإصرار الحكومة على إقصاء ذوى الأصول الإفريقية لإظهار السودان بالشكل الذى تريده الطبقة الحاكمة فى الخرطوم باعتباره دولة عربية إسلامية، مازال يُعمق من مشاكل السودان حتى الأن فالأزمة لا تتعلق بشخص الحاكم قدر ما ترتبط بالفكرة المسيطرة على السياسيين فى الخرطوم .
















مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

Omer

تسليح المدنيين

عدد الردود 0

بواسطة:

سهيلة فوزى

هوية ثقافية سودانية خاصة

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة