وصلت العلاقات بين اللواء محمد نجيب وباقى أعضاء مجلس قيادة ثورة 23 يوليو إلى طريق مسدود فلجأ إلى جماعة الإخوان، ليبدأ الطرفان حوارًا سريا.
كان «نجيب» وقتئذ يشغل موقع رئيس مجلس قيادة الثورة، ورئيس الجمهورية، وكان الصراع مشتعلًا بين وبينه باقى أعضاء مجلس القيادة، وكانت جماعة الإخوان حاضرة فى المشهد بقوة، يتحدث عنها الدكتور عبدالعظيم رمضان فى كتابه عبدالناصر وأزمة مارس 1954 «روز اليوسف - القاهرة»، مشيرًا فيها إلى أن عام 1953 جاء بأربعة تطورات مهمة كان لها تأثيرها على العلاقات بين الإخوان والثورة وهى، المباحثات بين «الجماعة» والإنجليز، ووجود الإخوان فى البوليس والجيش، ومطالبة عبدالناصر بحل التنظيم السرى للجماعة، والاتصالات بينها وبين اللواء نجيب».
وعن وجود تشكيلات للجماعة فى الجيش والبوليس، يذكر «رمضان» أنه تم استدعاء أربعة من قيادات الإخوان إلى مقر مجلس قيادة الثورة فى الجزيرة وهم، محمد خميس حميدة، السيد سابق، أحمد حسن الباقورى، محمود عبداللطيف «سكرتير وزارة الأوقاف»، واجتمعوا بأربعة من مجلس الثورة هم، جمال عبدالناصر، أنور السادات، صلاح سالم، كمال الدين حسين، وتناول عبدالناصر فى حديثه موقف الإخوان فى رحلة الصعيد، التى جرت بين 22 و27 مارس، وهى طبقا لشهادة القيادى الإخوان «عز الدين مالك» لـ«رمضان»: «أن رجال الثورة عند عودتهم من رحلة الصعيد قاموا بزيارة بنى سويف، حيث أقيم سرادق كبير، وإذ هم فى السرادق، صاحت مجموعة فدائية من الإخوان صيحة الحرب فجأة، الأمر الذى أزعج عبدالناصر فعلق قائلًا: «هناك إذن جيش داخل الجيش، من الضرورى الكف عن ذلك حتى لا نضطر إلى استعمال السيف».
قال عبدالناصر - طبقًا لرمضان - فى الاجتماع، إن للجماعة تشكيلات فى الجيش وهو لا يريدها، لأن «وجودها يؤدى إلى اضطرابات ما يصحش إنها تكون موجودة، وكذلك لا نريد وجود تشكيلات فى البوليس»، وأضاف: «النظام السرى ما يكونش موجود».
يؤكد «رمضان» أن مطالب عبدالناصر لقيت استجابة شكلية، فقد أبلغ محمد خميس حميدة، المرشد «حسن الهضيبى» ما دار من حديث مع عبدالناصر، فرد المرشد بأنه لا توجد تشكيلات خاصة للإخوان فى الجيش، إلا أننا نعطى فكرة إسلامية للجنود، فرد عليه «حميدة»: «طيب دى موش محتاجة لتشكيلات»، يضيف رمضان: «أما بخصوص تشكيلات البوليس فكان يقوم بها صلاح شادى، وتعهد بمنعها، ولكن بعد فترة ظهر أن فيه تشكيلات فى الجيش وتشكيلات فى البوليس».
كانت الأمور وقتئذ تحتدم بين «نجيب» وباقى أعضاء مجلس قيادة الثورة، مما أتاح الفرصة للاتصال بين «نجيب والإخوان»، وبدأت يوم 30 ديسمبر «مثل هذا اليوم» 1953، وكشف عنها الصاغ حسين محمد حمودة، وهو من ضباط الإخوان، الذين كلفوا بتكوين شعب فى القوات المسلحة أمام «محكمة الشعب».
قال «حمودة»: إنه استدعى لاجتماع عقده المرشد فى أحد بيوت الإخوان وحضره كل من الصاغ صلاح شادى، وخليل نور الدين، والدكتور غراب، وأبلغ الهضيبى الحاضرين أن اللواء نجيب اتصل به عن طريق كل من محمد رياض «ياور محمد نجيب»، وحسن العشماوى عن الإخوان، وأن اللواء نجيب أفهمه أنه «مطرشق» من أعضاء مجلس قيادة الثورة بسبب الحكم الديكتاتورى فى البلاد، وأنه يرغب فى حكم نيابى دستورى، حسب رغبة الهيئات الشعبية ومنها الإخوان، وأنه «يريد الاستعانة بالأستاذ الهضيبى وجماعة الإخوان لعمل أى ترتيب للتخلص من هذا العهد»، ثم قال الهضيبى: «وأنا جبتكم باعتبار أنكم ضباط فى الجيش ومن الإخوان لأن أبو المكارم وخليل نور الدين وصلاح شادى ويوسف طلعت، فى بيت أبو المكارم لبحث الموضوع، ولكن يوسف طلعت أبدى رأيه بتعذر عمل شىء فى تلك الظروف، نظرًا لأن عبدالرحمن السندى «قائد التنظيم الخاص» كان معاكسا فى تسليم الناس «أعضاء التنظيم» ويشرع فى تعبئة ناس ثانيين، وأنه لا يمكن عمل إجراء إلا بعد سنة، حيث يتوقع أن يكون لديه عشرة آلاف من الإخوان، كذلك ذكر صلاح شادى أن كل من عنده من الضباط هم تسعة عشر ضابط بوليس، وبعضهم متفرق فى المديريات، ويتعذر عمل شىء، وبالنسبة للجيش قيل إن عدد الضباط فى الجيش قليل، وفى الوقت نفسه «مانقدرش نفاتح كل واحد، لأن دى مسائل عايزة ثقة»، وعلى ذلك أسفر الاجتماع عن قرار بتعذر اتخاذ أى إجراء فى هذا الشأن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة